آخر فإنّهم قالوا : (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ).
وهذا التعبير يدلّ على أنّه وإن كان موسى عليهالسلام متكفلا لأمر المبارزة وإلقاء العصا ومحاججة السحرة ، إلّا أنّ أخاه هارون كان يعاضده في الأمر ، وكان مستعدا لتقديم أي عون لأخيه.
وهذا التبدل والتغيّر المفاجئ العجيب في نفوس السحرة بحيث خطوا في لحظة واحدة من الظلمة المطلقة إلى النور المبين. ولم يكتفوا بذلك حتى أقحموا أنفسهم في خطر القتل ، وأعرضوا عن مغريات فرعون ومصالحهم المادية ... كلّ ذلك لما كان عندهم من «علم» استطاعوا من خلاله أن يتركوا الباطل ويتمسكوا بالحقّ!
إنّهم لم يجوبوا باقي الطريق بخطى العقل فحسب ، بل ركبوا خيول العشق ، وقد سكروا من عطر أزهاره ، حتى كأنّهم لم يفيقوا من سكرتهم ، وسنرى أنّهم لهذا السبب استقاموا بشجاعة أمام تهديدات فرعون الرهيبة ...
نقرأ حديثا عن الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «ما من قلب إلّا بين إصبعين من أصابع الرحمان ، إن شاء أقامه ، وإن شاء أزاغه» (١) (وبديهي أن مشيئة الله في هاتين المرحلتين تتعلق باستعداد الإنسان ، وهذا التوفيق أو سلب التوفيق إنّما هو لأجل قابلية القلوب المختلفة ، وليس اعتباطا).
أمّا فرعون ، فحيث وجد نفسه مهزوما معنويا ويرى من جانب آخر أن وجوده وسلطانه في خطر ، وخاصّة أنه كان يعرف أيّ تأثير عميق لإيمان السحرة في قلوب سائر الناس ، ومن الممكن أن يسجد جماعة آخرون كما سجد السحرة ، فقد تذرع بوسيلة جديدة وابتكار ماكر ، فالتفت إلى السحرة و (قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ). (٢)
__________________
(١) تفسير في ظلال القرآن ، ج ٦ ، ص ٢٠٨.
(٢) جاء التعبير في هذه الآية (٧١) من سورة طه بـ (آمَنْتُمْ لَهُ) وجاء التعبير في الآية (١٢٣) من سورة الأعراف