لقد تربع على عرش الاستبداد سنين طوالا ، ولم يكن يترقب من الناس أن لا يسجدوا أو يقوموا بعمل دون إذنه فحسب ، بل كان ترقّبه أن تكون قلوب الناس وأفكارهم مرهونة به وبأمره ، فليس لهم أن يفكّروا دون اذنه!! وهكذا هي سنة الجبابرة والمستكبرين!.
هذا المغرور الطائش لم يكن مستعدّا لأن يذكر اسم الله ولا اسم موسى ، بل اكتفى بالقول (آمنتم له)! والمراد من هذا التعبير هو التحقير!!
إلّا أن فرعون لم يقنع بهذا المقدار ، بل أضاف جملتين أخريين ليثبّت موقعه كما يتصوّر أوّلا ، وليحول بين أفكار الناس اليقظين فيعيدهم غفلة نياما.
فاتّهم السحرة أوّلا بأنّهم تواطؤوا مع موسى عليهالسلام وتآمروا على أهل مصر جميعا ، فقال: (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ).
وقد اتفقتم مع موسى من قبل أن تردوا هذه الساحة ، فتضلوا أهل مصر وتجرّوهم إلى الخضوع تحت سيطرة حكومتكم ، وتريدون أن تطردوا أصحاب هذا البلد وتخرجوهم من ديارهم وتحلّوا العبيد محلهم ...
إلّا أنني لا أدعكم تنتصرون في هذه المؤامرة ، وسأخنق المؤامرة في مهدها (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ).
أي : لا أكتفي بإعدامكم فحسب ، بل أقتلكم قتلا بالتعذيب والزجر بين الملأ العام ، وعلى جذوع النخل ، (لأن قطع الأيدي والأرجل من خلاف يؤدي إلى الموت البطيء ، فيذوق معه الإنسان التعذيب أكثر).
وهذه هي طريقة الجبابرة والحكّام الظلمة في كل عصر وزمان ، ففي البدء يتهمون الرجال المصلحين بالتآمر ضد الناس ، وبعد الاستفادة من حربة التهمة يعملون السيف في رقاب ليضعف موقع المطالبين بالحق ولا يجدوا معاضدا لهم ، فيزيحوهم من طريقهم.
إلّا أن فرعون لم يحقق هدفه هنا ، لأن السحرة قبل لحظة ـ والمؤمنين في هذه