منهم. (١)
واستثناء ربّ العالمين مع أنّه لم يكن من معبوداتهم ، وكما يصطلح عليه استثناء منقطع ، إنّما هو للتأكيد على التوحيد الخالص.
كما يرد هذا الاحتمال وهو أن من بين عبدة الأصنام من كان يعبد الله إضافة إلى عبادة الأصنام ، فاستثنى إبراهيم «ربّ العالمين» من الأصنام ، رعاية لهذا الموضوع ...
وذكر الضمير «هم» الذي يستعمل عادة للجمع «في العاقلين» وقد ورد في شأن الأصنام ، لما ذكرناه من بيان آنفا ...
ثمّ يصف إبراهيم الخليل ربّ العالمين ويذكر نعمه المعنوية والماديّة ، ويقايسها بالأصنام التي لا تسمع الدعاء ولا تنفع ولا تضرّ ، ليتّضح الأمر جليّا ...
فيبدأ بذكر نعمة الخلق والهداية فيقول : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) فقد هداني في عالم التكوين ، ووفر لي وسائل الحياة المادية والمعنوية ، كما هداني في عالم التشريع فأوحى إليّ وأرسل إليّ الكتاب السماوي ...
وذكر «الفاء» بعد نعمة الخلق ، هو إشارة إلى أن الهداية لا تنفصل عن الخلق أبدا ، وجملة (يهدين) الواردة بصيغة الفعل المضارع ، دليل واضح على استمرار هدايته ، وحاجة الإنسان إليه في جميع مراحل عمره!
فكأن إبراهيم في كلامه هذا يريد أن يبيّن هذه الحقيقة ، وهي إنّني كنت مع الله منذ أن خلقني ، ومعه في جميع الأحوال ، وأشعر بحضوره في حياتي ، فهو وليي حيث ما كنت ويقلبني حيثما شاء! ...
وبعد بيان أولى مراحل الربوبية ، وهي الهداية بعد الخلق ، يذكر إبراهيم الخليل عليهالسلام النعم المادية فيقول : (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ).
__________________
(١) لمزيد الإيضاح في هذا الصدد يراجع تفسير الآية (٨٢) من سورة مريم.