أجل ، إنّني أرى النعم جميعا من لطفه ، فلحمي وجلدي وطعامي وشرابي ، كل ذلك من بركاته! ...
ولست مشمولا بنعمة في حال الصحة فقط ، بل في كل حال (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ).
ومع أنّ المرض أيضا قد يكون من الله ، إلّا أن إبراهيم نسبه إلى نفسه رعاية للأدب في الكلام ...
ثمّ يتجاوز مرحلة الحياة الدنيا إلى مرحلة أوسع منها ... إلى الحياة الدائمة في الدار الآخرة ، ليكشف أنه على مائدة الله حيثما كان ، لا في الدنيا فحسب ، بل في الآخرة أيضا. فيقول : (وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ).
أجل ، إنّ موتي بيده وعودتي إلى الحياة مرّة أخرى منه أيضا ..
وحين أرد عرصات يوم القيامة أعلّق حبل رجائي على كرمه : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ).
وممّا لا شك فيه أن الأنبياء معصومون من الذنب ، وليس عليهم وزر كي يغفر لهم ...إلّا أنّه ـ كما قلنا سابقا ـ قد تعدّ حسنات الأبرار سيئات المقرّبين أحيانا ، وقد يستغفرون أحيانا من عمل صالح لأنّهم تركوا خيرا منه ... فيقال عندئذ في حق أحدهم : ترك الأولى.
فإبراهيم عليهالسلام لا يعوّل على أعماله الصالحة ، فهي لا شيء بإزاء كرم الله ، ولا تقاس بنعم الله المتواترة ، بل يعوّل على لطف الله فحسب ، وهذه هي آخر مرحلة من مراحل الانقطاع إلى الله! ...
وملخّص الكلام أن إبراهيم عليهالسلام من أجلّ أن يبيّن المعبود الحقيقي يمضي نحو خالقيّة الله أولا ، ثمّ يبيّن بجلاء مقام ربوبيته في جميع المراحل :
فالمرحلة الأولى مرحلة الهداية.
ثمّ مرحلة النعم الماديّة ، وهي أعمّ من إيجاد المقتضي والظروف الملائمة أو