ثمّ يبيّن القرآن الجنّة والنار بالنحو التالي فيقول : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) (١) (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ). أي الضالين.
وهذا الأمر ـ في الحقيقة ـ قبل ورود كلّ من أهل الجنّة والنار إليهما! فكلّ طائفة ترى مكانها من قريب .. فيسرّ المؤمنون ويستولي الرعب على الغاوين ، وهذا أوّل جزائهما هناك!
الطريف هنا أنّ القرآن لا يقول : اقترب المتقون أو أزلف المتقون إلى الجنة ، بل يقول : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) وهذا يدل على مقامهم الكريم وعظم شأنهم! ...
كما ينبغي الإشارة إلى هذه اللطيفة ، وهي أن التعبير بالغاوين هو التعبير ذاته الوارد في قصة الشيطان ، إذ طرده الله عن ساحته المقدسة فقال له : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ). (٢)
ثمّ يتحدث القرآن عن ملامة هؤلاء الضالين ، وما يقال لهم من كلمات التوبيخ أو العتاب ، فيقول : (وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) فهل يستطيعون معونتكم في هذه الشدة التي أنتم فيها ، أو أن يطلبوا منكم أو من غيركم النصر والمعونة (هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ ...) (٣)
إلّا أنّهم لا يملكون جوابا لهذا السؤال! كما لا يتوقع أحد منهم ذلك! ...
(فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ).
كما يقول بعض المفسّرين : إن كلّا منهم سيلقى على الآخر يوم القيامة! (وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ).
وفي الحقيقة أن هذه الفرق الثلاث ، الأصنام والعابدين لها وجنود إبليس
__________________
(١) أزلفت : فعل مشتق من (الزلفى) على وزن (كبرى) ومعنى الفعل «قربت».
(٢) سورة الحجر ، الآية ٤٢.
(٣) قد يكون المراد من «ينتصرون» هو أن يطلبوا العون والنصر لأنفسهم أو لغيرهم ... أو مجموعهما ، لاننا سنلاحظ في الآيات المقبلة أن العبدة ومعبوديهم يساقون إلى النار.