الدالين على هذا الانحراف ، يساقون جميعا إلى النار ... ولكن بهذه الكيفية ... وهي أن تلقى الفرق فرقة بعد أخرى في النار. لأن «كبكبوا» في الأصل مأخوذة من (كبّ) ، و (الكبّ) معناه إلقاء الشيء بوجهه في الحفرة وما أشبهها ، وتكراره «كبكب» يؤدي هذا المعنى من السقوط ، وهذا يدلّ أنّهم حين يلقون في النار مثلهم كمثل الصخرة إذ تهوى من أعلى الجبل أو تلقى من قمة الجبل ، فهي تصل أولا نقطة ما في الوادي ثمّ تتدحرج إلى نقاط أخر حتى تستقرّ في القعر!.
إلّا أن الكلام لا يقف عند هذا الحدّ ، بل يقع النزاع والجدال بين هذه الفرق أو الطوائف الثلاث ، فيجسم القرآن مخاصمتهم هنا ، فيقول : (قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ).
أجل ... إن العبدة الضالين الغاوين يقسمون بالله فيقولون : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٢) وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ ...)
المجرمون الذين كانوا سادة مجتمعاتنا ورؤساءنا وكبراءنا ، فأضلونا حفظا لمنافعهم ، وجرّونا إلى طريق الشقوة والغواية ... كما يحتمل أن يكون المراد من المجرمين هم الشياطين أو الاسلاف الضالين الذين جرّوهم إلى هذه العاقبة الوخيمة.
(فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ ...)
والخلاصة أن الأصنام لا تشفع لنا كما كنا نتصور ذلك في الدنيا ، ولا يتأتى لأي صديق أن يعيننا هنالك ...
وممّا ينبغي الالتفات إليه ، أنّ كلمة (شافعين) جاءت في الآية السابقة بصيغة الجمع كما ترى ، إلّا أن كلمة (صديق) جاءت بصيغة الإفراد ، ولعلّ منشأ هذا التفاوت والاختلاف ، هو أن هؤلاء الضالين يرون بأم أعينهم المؤمنين الجانحين
__________________
(١) (إن كنا) مخففة من (إنّا كنا) ...
(٢) يحتمل أن تكون (إذ) هنا للظرفية ، كما يحتمل أن تكون تعليلية ...