قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ). (١)
وواضح أن قوم نوح إنّما كذبوا نوحا فحسب ... ولكن لمّا كانت دعوة المرسلين واحدة من حيث الأصول ، فقد عدّ تكذيب نوح تكذيبا للمرسلين جميعا ... ولذا قال القرآن (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ).
كما ويحتمل أنّ قوم نوح أساسا كانوا منكرين لجميع الأديان والمذاهب ، سواء قبل ظهور نوح أو بعده ...
ثمّ يشير القرآن الكريم إلى هذا الجانب من حياة نوح عليهالسلام ، الذي سبق أن أشار إليه في كلامه حول إبراهيم وموسى عليهماالسلام ، فيقول : (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ ...)
والتعبير بكلمة «أخ» تعبير يبيّن منتهى المحبّة والعلاقة الحميمة على أساس المساواة ... أي أن نوحا دون أن يطلب التفوق والاستعلاء عليهم ، كان يدعوهم إلى تقوى الله في منتهى الصفاء.
والتعبير بالأخوة لم يرد في شأن نوح في القرآن فحسب ، بل جاء في شأن كثير من الأنبياء ، كهود وصالح ولوط ، وهو يلهم جميع القادة والأدلاء على طريق الحق أن يراعوا في دعواتهم منتهى المحبة المقرونة بالاجتناب عن طلب التفوق لجذب النفوس نحو مذهب الحق ، ولا يستثقله الناس! ...
وبعد دعوة نوح قومه إلى التقوى التي هي أساس كل أنواع الهداية والنجاة ، يضيف القرآن فيقول على لسان نوح وهو يخاطب قومه : (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) فإن إطاعتي من إطاعة الله سبحانه ...
وهذا التعبير يدلّ على أن نوحا عليهالسلام كانت له صفة ممتدة من الأمانة بين قومه ،
__________________
(١) تأنيث لفظ (كذبت) لأن (قوم) في معنى الجماعة ، والجماعة فيها تأنيث لفظي ... وقال بعضهم : إن كلمة (قوم) بذاتها مؤنثة ، لأنّهم قالوا في تصغيرها «قويمة» نقل الوجه الأوّل الطبرسي في مجمع البيان ، ونقل الوجه الثّاني الفخر الرازي في تفسيره ... إلّا أن «الآلوسى» قال في روح المعاني : إن لفظ «قوم» يستعمل في المذكر والمؤنث على السواء ...