وكانوا يعرفونه بهذه الصفة السامية ، فهو يقول لهم : (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) ولهذا فإنّي أمين أيضا في أداء الرسالة الالهية ، ولن تجدوا خيانة منّي أبدا ...
وتقديم التقوى على الإطاعة ، لأنه ما لم يكن هناك إيمان واعتقاد بالله وخشية منه ، فلن تتحقق الإطاعة لنبيّه ...
ومرّة أخرى يتمسك نوح عليهالسلام بحقانية دعوته ، ويأتي بدليل آخر يقطع به لسان المتذرعين بالحجج الواهية ، فيقول : (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ).
ومعلوم أن الدوافع الإلهية ـ عادة ـ دليل على صدق مدعي النبوّة ، في حين أن الدوافع المادّية تدل بوضوح على أن الهدف من ورائها هو طلب المنفعة ، ولا سيما أن العرب في ذلك العصر كانوا يعرفون هذه المسألة في شأن الكهنة وأضرابهم ...
ثمّ يذكر القرآن ذلك التعبير نفسه الذي جاء على لسان نوح ، بعد التأكيد على رسالته وأمانته ، إذ يقول : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ ...)
إلّا أنّ المشركين الحمقى ، حين رأوا سبل ما تذرّعوا به من الحجج الواهية موصدة ، تمسكوا بهذه المسألة ، فـ (قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ).
إن قيمة الزعيم ينبغي أن تعرف ممن حوله من الأتباع ، وبعبارة أخرى «إن الولي يعرف من زوّاره ـ كما يقال» فحين نلاحظ قومك يا نوح ، نجدهم حفنة من الأراذل والفقراء والحفاة والكسبة الضعاف ، قد داروا حولك ، فكيف تتوقع أن يتبعك الاثرياء الأغنياء الشرفاء والوجهاء ويخضعوا لك؟!
وصحيح أنّهم كانوا صادقين ومصيبين في أنّ الزعيم يعرف عن طريق أتباعه ، إلّا أن خطأهم الكبير هو عدم معرفتهم مفهوم الشخصية ومعيارها ... إذ كانوا يرون معيار القيم في المال والثروة والألبسة والبيوت والمراكب الغالية والجميلة ، وكانوا غافلين عن النقاء والصفاء والتقوى والطهارة وطلب الحق ، والصفات العليا