وبداية القصّة هذه مشابهة لبداية قصة عاد «قوم هود» وبداية قصة نوح وقومه ، وهي تكشف كيف يتكرر التاريخ ، فتقول : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ ...)
لأنّ دعوة المرسلين جميعا دعوة واحدة ، فتكذيب ثمود نبيّهم صالحا تكذيب للمرسلين أيضا ...
وبعد ذكر هذا الإجمال يفصّل القرآن ما كان بين صلاح وقومه ، فيقول : (إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ ...)
لقد كان النّبي صالح هاديا ودليلا لقومه مشفقا عليهم ، فهو بمثابة «الأخ» لهم ، ولم يكن لديه نظرة استعلائية ولا منافع ماديّة ، ولذلك فقد عبّر القرآن عنه بكلمة «أخوهم» ... وقد بدأ دعوته إيّاهم كسائر الأنبياء بتقوى الله والإحساس بالمسؤولية! ...
ثمّ يقول لهم معرفا نفسه : (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) وسوابقي معكم شاهد مبين على هذا الأمر (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) إذ لا أريد إلّا رضا الله والخير والسعادة لكم ...
ولذلك فأنا لا أطلب عوضا منكم في تبليغي إيّاكم (... وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) فأنا أدعوكم له ، وأرجو الثواب منه سبحانه ...
كان هذا أوّل قسم من سيرة صالح التي تلخصت في دعوته قومه وبيان رسالته إليهم ...
ثمّ يضع «صالح» إصبعه على نقاط حساسة من حياتهم ، فيتناولها بالنقد ويحاكمهم محاكمة وجدانية ، فيقول : (أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ).
وتتصورون أن هذه الحياة المادية التي تستغفل الإنسان دائمة له وهو خالد فيها! فلذلك تأمنون من الجزاء ، وأن يد الموت لا تنوشكم؟!
وبالأسلوب المتين ، أسلوب الإجمال والتفصيل ... يشرح النّبي صالح لقومه تلك الجملة المغلقة والمجملة بقوله : وتحسبون أنّكم مخلّدون (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ