وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ). (١)
ثمّ ينتقدهم على بيوتهم المرفهة المحكمة فيقول : (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ).
«الفاره» مشتق من (فره على وزن فرح) ومعناه في الأصل السرور المقرون باللامبالاة وعبادة الهوى ... كما يستعمل في المهارة عند العمل أحيانا ... ومع أن المعنيين ينسجمان مع الآية ، إلّا أنّه مع ملاحظة توبيخ نبيّهم صالح إيّاهم وملامته لهم فيبدو أنّ المعنى الأوّل أنسب ...
ومن مجموع هذه الآيات وبمقايستها مع ما تقدم من الآيات في شأن عاد ، يستفاد أن عادا «قوم هود» كان أكثر اهتمامهم في حب الذات والمقام والمفاخرة على سواهم ... في حين أن ثمود «قوم صالح» كانوا أسرى بطونهم والحياة المرفهة» ... ويهتمون أكبر اهتمامهم بالتنعم ، إلّا أنّ عاقبة الجماعتين كانت واحدة ، لأنّهم جعلوا دعوة الأنبياء التي تحررهم من سجن عبادة الذات للوصول إلى عبادة الله ، جعلوها تحت أقدامهم ، فنال كلّ منهم عقابه الصارم الوبيل ...
وبعد ذكر هذه الانتقادات يتحدث النّبي صالح عليهالسلام في القسم الثّالث من كلامه مع قومه ، فيقول : (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ).
* * *
__________________
(١) «الطلع» مأخوذ من مادة «الطلوع» ويستعمل في ما يكون منه الرطب بعدئذ ، وهو معروف وشكله جميل منضوم نضيد ، له غلاف ينشقّ عنه العذق أول الربيع. ثمّ يلقح بيد الإنسان أو بالرياح ليكون الثمر ... وقد يستعمل الطلع في الثمرة الأولى للنخل! و «الهضيم» من مادة «هضم» ، وله معان مختلفة ، فتارة يراد منه الثمرة الناضجة ، وتارة يطلق على الثمر اللين القابل للهضم ، وتارة يطلق على المهضوم ، وقد يستعمل بمعنى المنضوم المنضد ، فإذا كان الطلع في الآية محل البحث بمعنى العذق أوّل طلوعه ، فالهضيم معناه المنضود ، وإذا كان الطلع أول الثمر فالهضيم معناه الناضج اللين اللطيف ...