واستخدام هذه الكلمة يكشف عن الارتباط الوثيق بين المتآمرين المشتركين في ترويج حديث الإفك ، حيث كانوا يشكلون شبكة قوية منسجمة ومستعدة لتنفيذ المؤامرات.
وقال البعض : إن هذه المفردة تستعمل في عشرة إلى أربعين شخصا (١).
وعلى كل حال فإن القرآن طمأن وهدّأ روع المؤمنين الذين آلمهم توجيه هذه التهمة إلى شخصية متطهرة (لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) ، لأنّه كشف عن حقيقة عدد من الأعداء المهزومين أو المنافقين الجبناء ، وفضح أمر هؤلاء المرائين ، وسوّد وجوههم إلى الأبد.
ولو لم تكن هذه الحادثة ، لما افتضح أمرهم بهذا الشكل ، ولكانوا أكثر خطرا على المسلمين.
إنّ هذا الحادث علّم المسلمين أن اتّباع الذين يروّجون الشائعات يجرّهم إلى الشقاء ، وأنّ عليهم أن يقفوا بقوّة امام هذا العمل. كما علّم هذا الحادث المسلمين درسا آخر ، وهو أنّ لا ينظروا إلى ظاهر الحادث المؤلم ، بل عليهم أن يتبحّروا فيه ، فقد يكون فيه خيرا كثيرا رغم سوء ظاهره.
وممّا يلفت النظر أنّ ذكر ضمير «لكم» يعمّ جميع المؤمنين في هذا الحادث ، وهذا حقّ ، لأن شرف المؤمنين وكيانهم الاجتماعي لا ينفصل بعضه عن بعض ، فهم شركاء في السرّاء والضرّاء.
ثمّ تعقّب هذه الآية بذكر مسألتين :
أوّلاهما : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ) إشارة إلى أنّ المسؤولية الكبرى التي تقع على عاتق كبار المذنبين لا تحول دون تحمل الآخرين لجزء من هذه المسؤولية ، ولهذا يتحمل كلّ شخص مسئوليته إزاء أية مؤامرة.
__________________
(١) نقل تفسير «روح المعاني» هذا المعنى عن كتاب «الصحاح».