فرق كبير ، وعلى هذا يجب أن لا يعامل الجميع سواسية.
وعلى كل حال ، ففي الآيات السابقة درس كبير لحاضر المسلمين ومستقبلهم ، وتذكير لهم بأن لا يتجاوزوا الحدّ المقرّر في معاقبة المذنبين ، ولا ينبغي طردهم من المجتمع الإسلامي ، أو إغلاق باب المساعدة في وجوهم ، ذلك من أجل المحافظة عليهم كي لا يزدادوا انحرافا فيقعوا في أحضان العدو ، أو ينحازوا إلى جانبه.
وترسم هذه الآيات صورة للتعادل الإسلامي في جذبه ودفعه ، وتشكل آيات الإفك والعقوبات الشديدة التي تفرض على الذين يتهمون الآخرين في شرفهم «قوة الدفع». وأمّا الآية موضع البحث التي تتحدث عن العفو والصفح وكون الله غفورا رحيما. فإنها تكشف عن «قوة الجذب»!
ثمّ تعود الآية إلى قضية القذف واتّهام النساء العفيفات المؤمنات في شرفهن ، فتقول بشكل حازم : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).
ذكرت هذه الآية المباركة ثلاث صفات لهؤلاء النسوة ، كلّ واحدة تشكل دليلا على مدى الظلم الذي تعرضن إليه باتهامهنّ في شرفهنّ : «المحصنات» أي العفيفات الطاهرات الذيل و «الغافلات» البعيدات عن كل تهمة وتلوّث و «المؤمنات» ، كما تكشف العذاب العظيم الذي ينتظر من يقترف هذا العمل (١).
كما أنّ عبارة ـ «غافلات» تلفت النظر ، لأنّها تكشف عن منتهى طهارتهنّ من أي انحراف وتلوّث ، أي أنهن غافلات عن كل تلوث جنسي إلى درجة وكأنّهن لا يعلمن بوجود مثل هذا العمل فتارة يكون الإنسان في مقابل الذنب أن لا يخطر على ذهنه وجود مثل هذا الذنب في الخارج وهذه مرحلة عالية من التقوى.
__________________
(١) الميزان ، تفسير الآيات موضع البحث ، المجلد ١٥ ، صفحة ١٢٢.