اليهود والنصارى ، وليس المراد بهم ، اُولئك الذين اختاروا عقيدة اليهود ، وانتهجوا نهجهم في حقيقة الأمر ، أو الذين يعتقدون النصرانية في واقع الأمر حسب ما ذكر في جملة : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ).
ثمّ أفاد في رفع الستار عن هدف الآية ، وقال :
إنّ التصورات الطائفية التي كانت شائعة في عهد نزول القرآن هي بعينها شائعة في العصر الحاضر أيضاً.
فلهذا لا يصعب علينا أن ندرك أنّ القرآن إنّما يفرّق في هذه الآية بين الذين هم مؤمنون لمجرد انتسابهم إلى طائفة أهل الإيمان وبين الذين هم مؤمنون واقعيون متصفون بصفة الإيمان ، ومتمثّلون لحقيقته في الواقع.
فكما أنّنا نشاهد في هذا الزمان أنّ الدنيا تميّز بين الأفراد من وجهة الطائفية فيقال لرجل : مؤمن ، أو مسلم ، لمجرد أنّه من جماعة المسلمين على حسب انقسام أفراد البشرية بين مختلف الجماعات بصرف النظر عمّا إذا كان هو مسلماً في واقع الأمر أم لا ، ويقال لفرد من اليهود والنصارى والبوذيين : يهودي أو نصراني أو بوذي ، باعتبار انتسابه إلى ديانة من تلك الديانات وبصرف النظر عمّا إذا كان مؤمناً بمبادئ طائفته في واقع الأمر أم لا ، كذلك كان النوع البشري في عهد نزول القرآن موزّعاً بين عدد من الطوائف على حسب الظواهر بدون اعتبار الواقع ، فكان يميّز بين مختلف الأشخاص والجماعات باعتبار أنّ فلاناً من جماعة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وفلاناً من طائفة اليهود ، وفلان من طائفة النصارى وهلمّ جرا.
ومن هنا كان المنافقون يعدّون من جماعة المسلمين ـ الذين آمنوا ـ مع أنّهم لم يكونوا مسلمين في حقيقة الأمر.
والحقيقة انّ الله سبحانه وتعالى يريد بهذا الجزء من الآية أن يفنّد الفكرة السائدة عند الناس عامة وهي أنّ الناس سيحشرون في الآخرة بموجب التصنيف الطائفي ، وباعتبار أنسابهم وأسمائهم الصورية في الدنيا ، فيعتقد اليهودي أنّ النجاة خالصة لمن