هو معدود في طائفة اليهود دون سائر الناس ، ويظن النصراني أنّ الدخول في النصرانية دخول في أهل الحق ، وكل من هو خارج عن هذه الدائرة يكون على الباطل ، وكذلك قد بدأ المسلمون يظنون أنّ من هو داخل في جماعتهم على اعتبار اسمه واسرته ومولده فهو مسلم وله الشرف والفضيلة على كل من ليس بداخل في جماعتهم بموجب تلك الاعتبارات.
فتفنيداً لهذه الفكرة الخاطئة يقول سبحانه وتعالى إنّ الفرق الحقيقي بين الانسان والانسان ليس على حسب الطائفية الظاهرية ، بل الذي عليه المدار هو الإيمان والعمل الصالح ، وليس كل من تسمّى بأسماء المسلمين مع خلوّه من الإيمان وابتعاده عن العمل الصالح بالمؤمن في واقع الأمر ، ولن يكون في عاقبته مثل المؤمنين الحقيقيين ، وكذلك ليس كل من ينتسب إلى اليهودية والنصرانية أو الصابئة يهودياً أو نصرانياً أو صابئاً إذا كان متجرداً من هذه الصفات. فكما أنّ الاعتداد في جماعة المسلمين لا يغني عن الانسان شيئاً كذلك اعتباره من اليهود وإلنصارى والصابئيين لا يرجع عليه بالفائدة في الآخرة.
ثمّ إنّه بعد ما ذكر بعض ما قدمنا من الآيات من مزاعم اليهود والنصارى من كون الجنّة مختصة بهم ، أو أنّ النار لا تمسّهم إلاّ أياماً معدودة ، أو أنّهم أبناء الله واحباؤه ، قال إنّ كل هذه الآيات إنّما تكشف عن حقيقة بعينها هي أنّ الله عزّ وجلّ ليست عليه دالّة لطائفة في الأرض ، ولا أنّ طائفة خاصة مستأثرة بالنجاة عنده ، فليس من حق أحد من الناس أن يعامل بصفة خاصة بناء على أنّه ولد في اُمّة معيّنة أو ينتمي إلى جماعة خاصة ، بل الجميع من حيث هم أفراد الجنس البشري ، لا فرق بينهم البتة في نظر الله ، لأنّ الاعتبار الحقيقي عند الله ما هو الانتسابات أو القوميات ، بل هو للمبادئ والحقائق فإن آمنتم بصدق قلوبكم وعملتم الصالحات نلتم جزاءً حسناً عند الله ، وإن بقيتم على غير شيء من الإيمان والعمل الصالح فلا شيء ينقذكم من العقاب والعذاب الأليم ، ولو إلى أي طائفة أو جنس كنتم تنتسبون ، والله تعالى قد صرّح بهذه الحقيقة في موضع آخر من كتابه حيث يقول ـ مخاطباً المسلمين ـ : ( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ