الغيب أيضاً.
فيأمر الله تعالى نبيّه أن ينفي عن نفسه أيّة قدرة أو علم دون الإرتباط بالله تعالى والاستمداد منه ، وذلك تفنيداً لمزاعم المشركين الباطلة.
وتأتي جملة : ( إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ ) في الآية الكريمة دليلاً آخر على أنّ الآية ليست في مقام نفي القدرة والعلم عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بصورة مطلقة ، بل أنّها نفت عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك اللون من العلم والقدرة اللّذين يتصور أنّ النبي واجد لهما استقلالاً وبصورة التفويض ، ولأجل ذلك فالآية لم تنف عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم العلم والقدرة اللّذين يقتبسهما من الله ، بل أثبتت ذلك له حسب الاستثناء الوارد في قوله تعالى : ( إِلاَّ مَا شَاءَ اللهُ ).
وبالتالي يتضح لنا مفهوم الفقرة الاُخرى من الآية وهي قوله : ( لَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ ) الخ.
ومعناها : لو كنت أعلم الغيب دون إلهام من الله تعالى لحصلت على الخير الكثير ودفعت عن نفسي الشر الكثير ، ولكن لا أستطيع ذلك لأنّ علم الغيب ليس وصفاً ذاتياً لي ، بل هو فيض من الله ، يعطيني ذلك حين يشاء ، وفي جانب قدرة التصرف في هذا الكون أحظى بمقدار ما يشاء.
أما الآية الخامسة أعني قوله سبحانه : ( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ) ( التوبة ـ ١٠١ ).
فالآية الكريمة وإن كانت تدلّ ـ بحكم كلمة ( لا تَعْلَمُهُمْ ) ـ على وجود منافقين في المدينة لا يعرفهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو لا يتفق مع ما يدعى له صلىاللهعليهوآلهوسلم من علم الغيب ؟ إلاّ أنّ الآية لا تدل على أكثر من نفي العلم عن النبي بالنسبة للمنافقين في ظرف نزول الآية فقط ، ولا يعني هذا نفي العلم عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم تجاه المنافقين في كل الظروف والأحوال ، ولا شك في أنّ الله تعالى أخفى عن نبيّه بعض الحوادث عند وقوعها ، وكان منها وضع المنافقين المؤسف في المدينة لما يحمل في طياته من ألم عميق للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.