وكانوا يؤثرون خروجه معه لِما يرجونه من وقوع الفساد والاختلاط عند نأي النّبيّ صلىاللهعليهوآله عن المدينة وخُلوِّها من مرهوب مخوف يحرسها، وغبطوه عليهالسلام على الرّفاهية والدِّعَة بمقامه في أهله، وتكلّف من خرج منهم المشاقَّ بالسّفر بالخطر، فأرجفوا به عليهمالسلام وقالوا : لم يستخلفه رسول الله صلىاللهعليهوآله إكراماً وإجلالاً ومودّة، وإنّما خلّفه استثقالاً له! فبهتوا بهذا الإرجاف كبهت قريش للنبيّ صلىاللهعليهوآله بالجِنّة تارةً، وبالشِّعر أخرى وبالسِّحر مرّةً، وبالكهانة أخرى، وهم يعلمون ضدّ ذلك ونقيضه، كما علم المنافقون ضدّ ما أرجفوا به على عليّ صلوات الله عليه وخلافه، وأنّ النّبيّ صلىاللهعليهوآله كان أخصّ النّاس بأمير المؤمنين عليّ عليهالسلام، وكان هو أحبّ النّاس إليه وأسعدهم عنده وأفضلهم لديه، فلمّا بلغ عليّاً عليهالسلام إرجاف المنافقين أراد تكذيبهم وإظهار فضيحتهم، فلحقّ بالنّبيّ صلىاللهعليهوآله فقال له : يا رسول الله، إنّ المنافقين يزعمون أنّك إنّما خلّفتني استثقالاً ومقتاً! فقال له النّبيّ صلىاللهعليهوآله : ارجِع يا أخي إلى مكانك، فإنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك، فأنت خليفتي في أهلي ودار هجرتي وقومي، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلّا أنّه لا نبيّ بعدي.
فتضمّن هذا القول من رسول الله صلىاللهعليهوآله نصّه عليه بالإمامة، وإبانته من الكافّة بالخلافة، ودلّ به على فضل لم يشركه فيه أحد سواه، وأوجب له عليهالسلام به جميع منازل هارون من موسى إلّا ما خصّه العرف من الأُخوّة، واستثناه هو من النبوّة. وهذه فضيلة لم يشرك فيها أحد من الخلق عليّاً عليهالسلام ولا سواه في معناها ولا قاربه فيها على حال.١
وقال كمال الدّين محمّد بن طلحة الشافعيّ : قال صلىاللهعليهوآله : أنت منّي بمنزلة
_______________________
١ ـ المستجاد من كتاب الإرشاد للعلّامة الحلّيّ ٩٣ ـ ٩٧؛ (مجموعة نفيسة ٣٣٧).