ونحوه قول البحتري في قصيدته التي وصف فيها قتلة للذئب :
فأتبعتها أخرى فأضللت نصلها |
|
بحيث يكون اللب والرعب والحقد (١) |
ففي الشطر الثاني ثلاث كنايات ، كل منها مستقل بإفادة الغرض ، لا كناية واحدة ، فقوله : بحيث يكون اللب ، الرعب ، الحقد ، ثلاثتها عن كناية القلب ، إذ هو محل العقل والخوف والضغينة.
(ب) ما هي مجموع معان بأن تؤخذ صفة فتضم الى صفة ثانية ، ثم ثالثة ، فتكون جملتها مما يختص بالموصوف ، فمتى ذكرت توصل بها اليه كقولهم كناية عن الإنسان : إنه حي مستوي القامة عريض الأظفار ، فمجموع هذه الأوصاف هو الثلاثة المختص بالإنسان لا كل واحد (٢) منها.
٣ ـ كناية ، يطلب بها نسبة (٣) ، أي ثبوت أمر لأمر ، أو نفيه عنه ، كما يقولون : المجد بين ثوبيه ، والكرم بين برديه (٤) ، فهم لم يصرحوا بثبوت المجد والكرم له ، بل كنوا عن ذلك بكونهما بين برديه وبين ثوبيه ، وكقول زياد الأعجم في مدح عبد الله بن الحشرج وكان أمير نيسابور :
إن السماحة والمروءة والندى |
|
في قبة ضربت على ابن الحشرج |
فإنه أراد أن يثبت هذا الصفات خلالا للممدوح لكنه لم يصرح بذلك فيقول :
إنها مجموعة فيه ، أو مقصورة عليه ، أو نحو ذلك ، بل عدل الى ما أنت تراه فجعلها في قبة مضروبة عليه لتمكنه أن يثبتها للممدوح بطريق الكناية ، لأنه اذا أثبت الأمر في مكان الرجل وحيزه فقد أثبت له ، ومثل هذا وإن كان في حلة أبدع ووشى أغرب قول حسان :
بنى المجد بيتا فاستقرت عماده |
|
علينا فأعيا الناس أن يتحولا |
وقول أبي نواس :
فما جازه جود ولا حل دونه |
|
ولكن بصير الجود حيث يصير |
__________________
(١) ضمير أتبعتها يعود الى الطعنة ، والنصل حديدة السيف.
(٢) ويسمى هذا خاصة مركبة.
(٣) ضابطها أن يصرح بالصفة ويقصد باثباتها لشيء له صلة بالموصوف وارتباط به الكناية عن إثباتها للمراد وهو الموصوف بها بخلاف كناية الصفة فانه لا يصرح فيها بالصفة المرادة.
(٤) هما الأزار والرداء وهما الثوبان.