الله على إلهام الحقّ والصّواب وإصابة التّحقيق في كلّ باب.
فإن قلت : إنّ ما ذكرته من التّفصيل في المسألة والفرق بين مسائل الأصول قول بالفصل وخرق للإجماع.
قلت : لا معنى لدعوى الإجماع في هذا المقام ، إذ نحن ـ مع قطع النّظر عن الشّرع ـ في صدد بيان إثبات الشّرع ، مع أنّ عدم وجدان القول بعدم الفصل ليس قولا بعدم الفصل ، بل الظّاهر وجود القول بذلك في الجملة ، كما يظهر من الشّارح الجواد رحمهالله وغيره.
فقد تقرّر بما قرّرنا أنّ الجزم المطلق يكفي في سقوط الإثم مع عدم التّقصير إذا حصل له الجزم ، ويكتفى بالظنّ إذا لم يمكنه تحصيل الجزم ، ولا دليل على وجوب تحصيل الجزم بتفاصيله الخاصّ المسمّى باليقين في الاصطلاح ، وهو ما لا يقبل الزّوال المطابق للواقع ، ولا تحصيل ما يقبله ولكن كان مطابقا للواقع ، وترتّب أحكام الكفر على بعض الصّور في الدّنيا لا نمنعه ، ولا ينافي الحكم بسقوط الإثم ، كما سنبيّنه إن شاء الله تعالى.
ثمّ إنّ تحصيل العقائد الأصوليّة يتصوّر على صور ثلاث :
الأولى : ما يحصل بالنّظر في الدّليل.
والثّانية : ما يحصل بالتّقليد ، نظير ما يحصل في الفروع ، أعني ما لا يستلزم الظنّ التّفصيليّ بها وإن أمكن حصول ظنّ إجماليّ كما في الفروع.
والثّالثة : ما يحصل بالتّقليد مع حصول الجزم بها.
والظّاهر أنّ كلمات الأصوليّين إنّما هي في الأوّلين ، وأنّ مرادهم بالتّقليد هو تقليد المجتهد الكامل ، نظير التّقليد في الفروع المتداول بينهم المصطلح عندهم ،