ومن ذلك ظهر أنّ انحصار الحكم بوجوب النّظر في العقل ، لا يتمّ إلّا بضميمة إبطال حكومة الشّرع في ذلك.
فهذا الدّليل ، أعني لزوم إفحام الأنبياء عليهمالسلام متمّم للدليل الأوّل على انحصار الحاكم في العقل ، وإن كان الدّليل الأوّل مستقلا في إثبات أنّ العقل حاكم في الجملة ، ففي جعلهما دليلين لإثبات كون الحاكم هو العقل ، محلّ نظر.
فالذي ظهر ممّا ذكرنا ، أنّ الذي يختصّ بإثبات المقام الثّالث من هذا الدّليل هو عدم زوال الخوف إلّا بالنّظر ، وقد عرفت التّحقيق والتّفصيل في المقدّمة.
وممّا ذكرنا ظهر دليل الأشاعرة على وجوب المعرفة شرعا وأنّه هو الآيات والأخبار.
وجوابه وهو استلزام الدّور وإفحام الأنبياء عليهمالسلام.
واحتجّ الموجبون للنظر أيضا من أصحابنا وغيرهم بالأدلّة الشّرعيّة ، وهو من وجوه :
الأوّل : الآيات الواردة في المنع عن التّقليد عموما ، مثل ما دلّ على حرمة العمل بالظّنّ ، والقول من غير علم ، مثل قوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) ، (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(٢)(وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(٣) ، (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) (نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ
__________________
(١) الإسراء : ٣٦.
(٢) البقرة : ١٩٦.
(٣) الزخرف : ٨٦.