فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ)(١) ، ثمّ قالوا بعد ذلك : (حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ)(٢).
نعم ، بعض الآيات المطلقة تدلّ على حرمة العمل بالظّنّ ، وفيها أيضا أكثر الأبحاث السّابقة.
وسابعا : أنّ التّقليد أيضا قد يفيد الجزم ، بل اليقين ، ولكن التّحقيق أنّ هذا ليس بتقليد حقيقة كما أشرنا إليه مرارا ، فهو إمّا مستدلّ أو غافل عن حقيقة الأمر ، وليس عليهما شيء.
ثمّ إنّ الاستدلال بهذه الآيات إنّما يناسب مذهب الأشعريّ ، وأمّا الإماميّة والمعتزلة فلا يمكنهم ، لاستلزامه الدّور ، لأنّ ثبوت وجوب تحصيل العلم بمعرفة الله الذي لا يمكن إلّا بالنظر بقول [الله] مستلزم للدور.
والمناص عن ذلك إمّا بجعل ذلك من باب المشي على طريقة الخصم ، فإنّه يكتفي في معرفة الله بالتّقليد أو بالظّنّ ، فيمكن إلزامه بقول الله تعالى.
وإمّا بأن يقال : إنّ ذلك من باب تحقيق أهل المعرفة ومناظرة المجتهدين لتحقيق الحقّ. وما هو ثابت في نفس الأمر بعد معرفتهم لله وفراغهم عن تحصيل اليقين واستنباطهم ذلك المطلب من كلامه وكلام أمنائه ، ويثمر ذلك في العلم لأنفسهم وفي العمل للتبليغ والإرشاد ، إذ المكلّفون تختلف مراتبهم في الذّكاء والفطانة ، فقد يحتاجون الى التّنبيه.
وما ذكرنا أنّ الغافل لا يعاقب على ما لم يبلغه فطنته ، لا يستلزم عدم لزوم تنبيهه على ما يكمّله كما هو مقتضى اللّطف ، وإلّا فلم يكن بعث الأنبياء وإنزال
__________________
(١) الأنبياء : ٦٣
(٢) الأنبياء : ٦٨