الكتب واجبا على الله أيضا ، وقد أشرنا الى مثل ذلك في مسألة معذوريّة الجاهل في الفروع.
الثّاني : قوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ)(١) فإنّ الأمر للوجوب (٢) ، وإذا كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم مأمورا بالعلم ، فالأمّة أولى ، أو يجب عليهم من باب التّأسّي.
وأجيب عنه : بمنع الأولويّة ، لجودة قريحته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقصور أفهام الأمّة ، وبمنع وجوب كلّ ما يجب عليه.
وفيه : أنّ المنع إنّما يتمشّى فيما لم يعلم وجهه من أفعاله ، وأمّا ما علم وجهه ، فيجب على الأمّة متابعته ، أي الإتيان على ما يأتيه به ، إن واجبا فواجب ، وإن ندبا فندب ، كما بيّناه في محلّه ، واحتمال كونه من خواصّه خلاف الظّاهر ، ويحتاج إخراجه من عموم قوله تعالى : (وَاتَّبِعُوهُ)(٣). الى دليل وهو مفقود.
والتّحقيق في الجواب أن يقال : إنّ ظاهر الآية وملاحظة شأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ووقت نزول الآية ، إذ لم يقل أحد أنّه أوّل ما نزل عليه كلّها شاهد على أنّ المراد بذلك أنّك إذا عرفت حال المؤمنين وحال غيرهم فاثبت على ما أنت عليه من التّوحيد واستكمال نفسك ونفس المؤمنين بالاستغفار لك ولهم.
ثمّ إنّ الأمر بالعلم ليس معناه ، حصّل العلم حتّى يقال : إنّه أمر بشيء لا يتمّ إلّا بالنّظر ، فيجب من باب المقدّمة ، بل هو إثبات العلم وإيجاد له بهذا القول. فكما أنّ معلّم الكتاب يقول للأطفال : اعلم أنّ الألف كذا والباء كذا ، فمحض هذا القول يفيد
__________________
(١) محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم : ١٩
(٢) وكذا في الدّليل السّمعي على وجوب المعرفة في «الباب الحادي عشر».
(٣) الأعراف : ١٥٨.