وكذلك ثبوت أحكام الإسلام لمن أظهره وإن لم يذعن به في قلبه ولم يتيقّن به ، لا ينافي عذابهم في الآخرة ، وقد أشرنا أنّ إطلاق كلام العلّامة وغيره من العلماء لا بدّ أن ينزّل على غير الغافل والجاهل.
وممّا يشهد بذلك أنّ بعض المتكلّمين صرّح بأنّ التّكليف بالمعارف إنّما يكون إذا أمكن ، سواء وصل الى حدّ البلوغ الشّرعيّ وتجاوز عنه بكثير ، أم لم يبلغ بعد.
وقال بعض الفقهاء : إنّ وقت التّكليف بالمعارف هو البلوغ الشّرعيّ للعبادات ويجب المبادرة بتحصيل المعارف في أوّل البلوغ.
وعن الشيخ رحمهالله : انّ التّكليف بالمعارف في الذّكران هو بلوغ عشر سنين إذا كان عاقلا ، والأخبار الدالّة على رفع القلم عن الصّبيّ حتّى يحتلم ، دالّة على ما ذكره بعض الفقهاء ، ومطابقة لأصل البراءة.
وقد يستشكل في الفرق بين الذّكور والإناث في البلوغ الحاصل بالسّنّ ، مع أنّها أنقص عقولا وأضعف نفسا ، وهذا الإشكال مشترك اللّزوم في الفروع والأصول.
والجواب : انّ التّكليف إنّما هو دون الطّاقة ، بل الوسع.
والفرق مع الطّاقة والوسع لعلّه لكونهنّ أحقّ بتعجيل الحمى لنقصان عقولهنّ ، فعلمهنّ بعدم التّكليف أدعى لهنّ الى المعاصي من الذّكور ، ولأنّ الذّكور لكونهم أكثر موردا للمحن والمصائب وأثقل أحمالا ، لتحمّلهم أحمال الإناث وتكفّلهم مئونتهنّ لا بدّ لهم في تحصيل التّدرّب في أمر المعاش ، من فرصة ليكمل لهم فيه التّجارب.
وبالجملة ، ما يفعله الحكيم لا يخلو عن حكمة ، وإن لم تبلغه عقولنا.
والحقّ والتّحقيق ، أنّ مراتب الإيمان مختلفة باختلاف استعدادات المكلّفين ،