ومن ذلك يظهر أنّ معرفة فقه الفقهاء أيضا من الشّرائط لا من المكمّلات ، كما ذكر بعضهم ، فإنّ الإنصاف أنّ فهم الأخبار أيضا ممّا لا يمكن إلّا بممارسة تلك الكتب ومزاولتها ، فضلا عن معرفة الوفاق والخلاف ، وموافقة العامّة والمخالفة وغير ذلك.
الحادي عشر
أن يكون له ملكة قوية وطبيعة مستقيمة يتمكّن بها من ردّ الفروع الى الأصول ، وإرجاع الجزئيّات الى الكلّيّات والتّرجيح عند التّعارض ، فإنّ معرفة العلوم السّابقة غير كافية في ذلك ، بل هي أمر غريزيّ موهوبيّ يختص ببعض النّفوس دون بعض ، فإذا كانت هذه الحالة موجودة في نفس وانضمّ إليها معرفة [العلوم] السّابقة ، فيحصل له ملكة الفقه ، يعني قوّة ردّ جزئيّاته الى كليّاته.
وأصل تلك الحالة لا يحصل بالكسب ، بل له مدخلية في زيادتها وتقويتها. إذا أردت معرفة ذلك فلاحظ من ليس له الطّبع الموزون ، فإنّه لا ينفعه تعلّم علم العروض ، وكذلك سائر العلوم ، فربّما يصير شخص ماهرا في علم الطبّ ولا يقدر على معالجة المرض.
وكذلك حال استقامة الطّبع فإنّه أيضا أمر غريزيّ لا مدخليّة للكسب فيها.
والمراد بالملكة المتقدّمة هو أن يكون المجتهد قادرا على ردّ الجزئيّات الى الكلّيّات بحسب نظره ، لا في نفس الأمر ، وإلّا فيلزم كون أحد من المجتهدين المختلفين في المسائل ذا ملكة دون غيره ، وهو ظاهر البطلان ، لأنّا نشاهد الفقهاء الفحول المعتنين المتخالفين في المسائل غاية المخالفة ، ولا ريب في كون الجميع ذوي ملكات قدسية ، وسرعة الانتقال وبطؤه لا مدخلية لها في حقيقة الملكة ، بل