السّرعة فضيلة أخرى يؤتيها الله تعالى من يشاء.
وأمّا استقامة الطّبع فهي في مقابل اعوجاج السّليقة ، والاعوجاج من المعايب الحاصلة للذهن ، كالاعوجاج الحاصل للبدن ، لمّا كان الأصل والغالب هو الصحّة ، فالمناط في معرفتها الرّجوع الى غالب الأفهام ، وإلّا فالذي يكون معوّج السّليقة لا يعرف بنفسه أنّ طبيعته غير مستقيمة.
ولا يذهب عليك أنّ المراد بالاستقامة ليس إصابة نفس الأمر ، وإلّا فيلزم الحكم باعوجاج سليقة أغلب الفقهاء بسبب اختلافهم في ردّ الفروع الى الأصول ، بل المراد أن يكون ذلك الردّ ممّا لا يأبى صحّته الأفهام الغالبة ، وإن كان مرجوحا عند من خالفه في الردّ فمرجوحيّة أحد الأقوال المتخالفة أو كثير منها بالنّسبة الى الآخر ليس معناه عدم الاستقامة ، ولا يلزم منه الحكم باعوجاج طبع صاحبه.
والحاصل ، أنّ المجتهدين المختلفين حين يستفرغون وسعهم في تحصيل نظر كلّ واحد منهم من الدّليل ما لا يحكم من اقتصر نظره عليه من أصحاب الأفهام السّليمة إلّا به ، فمخالفة الآخر له مع استقامة طبعه إنّما هو لخفاء ما ، ظهر له من الوجوه عليه ، أو لظهور ما يبطل ما فهمه الآخر عليه ، فتفاوت أفهامهم حينئذ إنّما هو بسبب تفاوت ظهور المأخذ وخفائه ، لا بسبب الاستقامة والاعوجاج.
ثمّ إنّ القاعدة التي ذكرنا من عدم تكليف الغافل والجاهل في المباحث السّابقة يقتضي جواز عمل غير مستقيم الطّبع أيضا على مقتضى فهمه في المبادئ ، ولكن مع تفطّنه لاحتمال الاعوجاج وتقصيره في التفحّص فليس بمعذور ، فعليه أن يعالج نفسه ويتفحّص عن حالها ، ويعرض فهمه على فهم مشاهير العلماء المسلّمين للكلّ ، المعتنين عند أولي الأفهام. ويستعلم حاله بهذا الميزان المستقيم