روايتان صحيحتان رواهما البزنطيّ عن الرضا عليهالسلام وهما مذكورتان في آخر «السّرائر».
ثمّ إنّ تحقّق هذه الملكة واستقامتها وجواز الاعتماد عليها كما ذكره بعض المحقّقين ، يستدعي أمورا :
منها : عدم اعوجاج السّليقة ، وقد مرّ الإشارة إليه.
ومنها : أن لا يكون جربزيا (١) لا يقف ذهنه على شيء ، ولا بليدا لا يتفطّن بالدّقائق ويميل الى كلّ ناطق حيّ ، بل لا بدّ أن يكون له ثبات فيما يرجّحه ويرتضيه ، وذلك لا ينافي جواز تبدّل الرّأي مع تجديد النّظر ، وأن يكون فطنا حاذقا ينقل ما ورد عليه من المسائل الى مظانّها ومأخذها ، ويعود من تلك المآخذ الى تلك المسائل.
ومنها : أن لا يكون جريئا (٢) في الفتوى غاية الجرأة ، ولا مفرّطا في الاحتياط ، فإنّ الأوّل يهدم المذهب والدّين ، والثّاني لا يهدي الى سواء الطّريق ولا يقضي حاجة المسلمين ، بل ربّما يشوّه الدّين ويشوّش الشّرع المبين.
ومنها : أن لا يكثر من التّوجيه والتّأويل ، ولا يعوّد نفسه بذلك ، فإنّه ربّما يجعل بذلك الاحتمال البعيد من الظّواهر لأنسه بذلك ، فإنّ للأنس بكلّ طريقة أثرا بيّنا في إزلال (٣) الذّهن وإضلال الفكر عن الصّراط السّوي.
__________________
(١) معرّب عن كربز بضمّ الكاف الفارسية ، وتأتي تارة بمعنى الفهيم في الغاية ، ويقال للطرف الإفراطي من الحكمة كربزي وجربزي ، والطرف التّفريطي الخمود والبلادة فالحكمة هي الاعتدال بينهما.
(٢) في نسخة الأصل (جريّا).
(٣) في نسخة الأصل (إذلال) والذي يبدو لي أنّ ما اثبتناه أصح. وهي من حمله على الزّلل وهو الخطاء والذّنب يقال : استزلّني الشّيطان أي أزلّني وخدعني.