ومن جملة ذلك الأنس بطريقة الحكمة والرّياضيّ والنّحو وغير ذلك ، فإنّ طريقة فهم هذه العلوم مباينة لفهم الفقه ، فربّما رأينا بعضهم يقول في القدح في بعض الأدلّة الفقهيّة : يحتمل أن يكون المراد منه كذا ، فإذا قام الاحتمال بطل الاستدلال ، وأنت خبير بأنّ الفقه أكثره ظنيّ وأدلّتها ظنيّة.
ومعنى الظنّ قيام الاحتمال ، فبذلك لا ينتظم أساس فقه هؤلاء لتكثيرهم الاحتمال وإبطالهم الاستدلال.
ومنها : أن لا يكون بحّاثا يحبّ البحث ، وذلك المرض قد يكون طبيعيّا كالعقارب المجبولة على حبّ اللّسع ، وقد يكون لحبّ الرّئاسة وإظهار الفضيلة. فمثل هذا الشّخص لا يرجى له الاستقامة على الحقّ ، وإيّاك والمكالمة مع مثله ، واستعذ بالله من خلقه إلّا أن تظنّ إمكان إرشاده الى الحقّ وردعه عن ذلك المنكر ، ويقرب من ذلك كونه لجوجا عنودا.
ونحن رأينا كثيرا من صلحاء العلماء مبتلى بهذا المرض ، فإذا تكلّم بشيء في بادئ النّظر غفلة أو لأجل شبهة سبقت إليه ، فيلجّ ويكابر ويصادر بالمطلوب ، وربّما يتمسّك بما هو أوهن من بيت العنكبوت ، إمّا من جهة خروجه عن الحالة الطّبيعية المدركة مقتضى حالته الأخرى المنكرة ، أو للعناد والخوف عن خمود الذّكر.
ومنها : أن لا يكون مستبدّا بالرّأي في حال قصوره ، بل في حال كماله أيضا ، فإنّ الجهل جبلّة الإنسان ، والغفلة والسّهو كالطّبيعة الثّانية له.