والفطانة ، وإلّا فاجتماع مطلق العوامّ لا يفيد الظنّ بشيء إلّا أن يكون ذلك على سبيل الاستمرار الكاشف عن استحقاق الرّجوع إليه ، لحكم العادة بارتداعهم إذا وصل إليهم خلاف ما فهموه بمرور الأيّام المتطاولة.
ثمّ إنّ الكلام مع اتّحاد المفتي واضح ، ومع التعدّد ، فإن تساووا في العلم والورع واتّفقوا في الفتوى ، فلا إشكال أيضا في التّخيير.
وربّما يقال : إذا اتّفقوا ولكن تفاوتوا في العلم والورع ، فيقدّم الأعلم.
وفيه : إشكال ، ويظهر وجهه ممّا يأتي بطريق الأولى.
وإن اختلفوا في الفتوى ، فإن تساووا في العلم والورع ، فهو مخيّر في تقليد أيّهم شاء ، لعدم المرجّح ، وإن كان بعضهم أعلم وأورع من غيره ، فالمعروف من مذهب أصحابنا ، بل ذكر بعضهم (١) أنّه لا خلاف فيه عندنا أنّه يقدّم على غيره ، لأنّه أقوى وأرجح ، واتّباعه أولى وأحقّ ، وأنّه بمنزلة الأمارتين على المجتهد.
واختلف فيه العامّة ، فمنهم من وافقنا على ذلك (٢) ، والأكثرون سوّوا بين الأفضل وغيره لاشتراك الجميع في الاجتهاد والعدالة المصحّحين للتقليد ، ولأنّ المفضولين من الصّحابة وغيره كانوا يفتون من غير نكير.
أقول : إن ثبت الإجماع مختار الأصحاب فهو ، وأنّى له بإثباته في أمثال هذه
__________________
(١) وهو الظاهر من كلام البهائي في «الزّبدة» ص ١٦٥ ، والعلّامة في «التهذيب» ص ٢٩٣ ، والمحقّق في «المعارج» ص ٢٠١ ، وصاحب «المعالم» ص ٥٣٨.
(٢) في «المستصفى» وقال قوم : تجب مراجعه الأفضل ، فإن استووا تخيّر بينهم وهذا يخالف إجماع الصحابة إذ لم يحجر الفاضل على المفضول الفتوى ، بل لا تجب إلّا مراجعة من علم بالعلم والعدالة. وقال أيضا : ولا يلزمه مراجعة الأعلم كما فعل في زمان الصّحابة ، واختار القاضي انّه يتخيّر والأولى عندي انّه يلزمه اتباع الأفضل.