وتحقيق هذا المطلب أنّه لم يعلم من النّواميس الإلهيّة والطّريقة المستقرّة في سلوكه مع عباده لزوم تبليغ الأحكام والشّرائع السّمعية الى كلّ أحد من العالمين في كلّ عصر ومصر بحيث لم يشذّ منهم واحد ، بل [كان] يكتفي بالبلوغ الى الأغلب فيما جرت (١) العادة ببلوغه إيّاهم ، بل يكتفي بالبلوغ في الجملة ، كما هو المشاهد في حال نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، إذ من المعلوم أنّه لم يصل كلّ طريقة الإسلام الى جميع أطراف العالم في عصره صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل ولا الى جميع آحاد المكلّفين في الأمصار القريبة منه.
وكذلك الحال في الأئمة عليهم الصلاة والسلام بعده ، بل الأمر فيهم أظهر وأجلى ، لعدم اقتدار أغلبهم على نشر الأقلّ من التّكاليف أيضا.
وكذلك لم تجر العادة بأخذ الحاضرين عنده وعندهم عليهمالسلام جميع ما بلّغوه على ما هو عليه في نفس الأمر ، بل كانوا يكتفون عنهم بما يفهمونه ويقرّرونهم على ذلك ، كما أشرنا إليه مرارا ، سيّما في مباحث خبر الواحد.
فلزوم الرّجوع الى المجتهد الحيّ على القول به إنّما هو مع الإمكان ، وعلى قدر ما جرت (٢) العادة بوصول حكمه الى المقلّدين.
وهذا فعلى القول بجواز تقليد الميّت فربّما لا يتمكّن المكلّفون على الرّواية عن الموتى أيضا ، ولا على درك مقاصدهم من كتبهم أو لا يجدون من الكتب شيئا.
فلا فائدة في تجويز تقليد الموتى للفرار عن الإشكال المذكور أيضا.
فمقتضى سيرة الله تعالى مع عباده على ما هو مقتضى العدل والعقل والمشاهدة بالعيان ، هو العمل على ما علم أنّه من الله تعالى ، سواء كان باليقين المصطلح أو
__________________
(١ ـ ٢) في نسخة الأصل (جرى).