وإن لم يظهر للمجتهد قرينة توجب ظهور المعنى الخلاف الظّاهر له بحيث يمكن التمسّك به في مقام الاستدلال ، فلا دليل عليه ولا برهان يرشد إليه ، بل ربّما يوجب هجر الدّليل الشرعيّ رأسا ، والأخذ بما لم يصدر من الشّارع أصلا ، فلا دليل على إرجاع كلّ من المتناقضين الى بعض الأفراد لبعض المناسبات الجزئيّة والاستحسانات كما فعلوه في حمل الولد في الأحاديث الدالّة على حضانة الأب على الذّكر والأمّ على الأنثى ، إلّا أن تكون الشّهرة قرينة على أنّه كان هناك دليل يدلّ عليه خفيّ علينا كما في صلاة العاري.
وإن كان بناؤهم في ذلك على محض الجمع بين الدّليلين ؛ فلا وجه له ، بل خلاف المستفاد من الأخبار ، فإنّهم عليهمالسلام إذا كانوا سألوا عن اختلاف الأخبار حكموا بالرّجوع الى المرجّحات من ملاحظة الأفقه والأعدل الى غير ذلك ، ولم يحكموا بالجمع مهما أمكن حتّى بالمعنى المذكور ، بل يظهر من كثير من الأخبار أنّهم عليهمالسلام كانوا يتكلّمون على سبيل الاختلاف والتّعارض أنّهم عليهمالسلام قالوا «إنّ الاختلاف منّا وإنّه أبقى لنا ولهم» (١).
__________________
(١) عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : سألته عن مسألة فأجابني ، قال : ثمّ جاء رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني ، ثم جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي ، فلمّا خرج الرّجلان ، قلت : يا ابن رسول الله رجلان من أهل العراق من شيعتك قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به الآخر ، قال : فقال : يا زرارة إن هذا خير لنا وابقى لنا ولكم ، ولو اجتمعتم على أمر واحد لقصدكم النّاس ، ولكان أقلّ لبقائنا وبقائكم. فقلت : لأبي عبد الله عليهالسلام : شيعتكم لو حملتموهم على الأسنّة أو على النّار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين؟ قال : فسكت ، فأعدت عليه ثلاث مرّات ، فأجابني ، بمثل جواب أبيه. راجع «البحار» ٢ / ٢٣٦ ح ٢٤ ، ومثله ـ