والثّاني : ظنّ بواسطة فرض تقديم اعتبار الظنّ الحاصل في ترجيح الخبر الذي ورد في المسألة الأصوليّة. والأوّل خاصّ والثّاني عامّ ، يعني أنّ الثاني يدلّ بالعموم على ترجيح الموافق للكتاب على غيره ، والأوّل يقتضي ترجيح الخبر الخاصّ بالمسألة الخاصّة الواردة على خلافه.
لا يقال : إذا تأمّل المجتهد في المسألة الفقهيّة فلا بدّ من أن يتأمّل في علاج المتعارضين ويراجع الأخبار الواردة فيه ، وبعد مراجعتها والتّأمّل فيها وترجيح ما دلّ منها على تقديم موافق الكتاب ، على الآخر وحصول الظنّ له بتقديم موافق الكتاب فكيف يحصل الظنّ له بخلافه من تلك الأخبار المتعارضة في المسألة الفقهيّة.
لأنّا نقول : التّأمّل في مسألة الجمع بين الأخبار بقول كلّيّ مغاير للتأمّل في المسألة الفقهيّة المستعقبة لذلك ، ولا ينافي حصول الظنّ في المسألة الأصوليّة عدم حصوله في المسألة الفقهيّة ولا بالعكس ، أما ترى أنّا نثبت في الأصول رجحان الاستصحاب والعمل به ، بل ربّما نستدلّ به عليه بالأخبار الصحيحة ، ثمّ قد يحصل الظنّ في الفقه على خلاف مقتضاه من جهة أخرى.
وكذلك رجحان دلالة صيغة : افعل على الوجوب ، لا ينافي حصول الظنّ بكون المراد منها النّدب في المسألة الفقهيّة ، مع أنّا نقول : التّأمّل في علاج المتعارضين لا ينحصر في ملاحظة الأخبار العلاجيّة حتّى يلزم المحذور ، بل يرجع الى جميع القرائن والأمارات المحصّلة للظنّ كما هو مفروض المسألة من الرّجوع الى ظنّ المجتهد من حيث هو ظنّ المجتهد ، لا الى الخبر العلاجيّ من حيث هو الخبر العلاجيّ ، فلا مانع من حصول الظنّ في المسألة الفقهيّة على خلاف ما اقتضاه المسألة الأصولية ، أعني علاج الخبرين المتخالفين.