والحاصل ، أنّا نقول : التّأمّل في الأخبار العلاجيّة من حيث هي ومن حيث إنّه علاج للخبرين المتعارضين من حيث إنّهما خبران متعارضان ، يوجب ترجيح ما وافق الكتاب مثلا ، لكثرة الأخبار وأوثقيّة الرّواة مثلا ، مع قطع النّظر عن ملاحظة مسألة من المسائل الفقهيّة. والتّأمّل في المسألة الفقهيّة الخاصّة قد يقتضي خلافه وإن لوحظ الأخبار العلاجيّة أيضا ، ولوحظ الخبران المتعارضان فيه ، فإنّ ملاحظة الخبرين في المسألة الفقهيّة ليس من حيث إنّهما خبران مطلقا ، بل قد يكون من حيث إنّهما دليلان من أدلّة المسألة ، فلا منافاة بين حصول الظنّ من الحديث الدّالّ على تقديم موافق الكتاب إذا لوحظ الخبران من حيث هما خبران متعارضان بتقديمه ، وحصول الظنّ في المسألة الفقهية بتقديم ما يخالفه.
فإن قلت : إنّ مع حصول الظنّ بلزوم العمل على مقتضى الرّواية بتقديم ما وافق الكتاب ، كيف يحصل الظنّ بأحد طرفي المسألة الفقهيّة مع مخالفته للكتاب؟
قلت : يحصل الظنّ بأحد طرفي المسألة الفقهيّة مع كون الطّرف الآخر موافقا للاستصحاب ، فقد تراهم قد يقدّمون الظّاهر على الأصل ، وليس ذلك إلّا لأجل حصول الظنّ في الطّرف الظّاهر ، فهذا الظنّ من أين حصل؟ مع أنّ ظن المجتهد في الاصول العمل على مقتضى الاستصحاب ، والمفروض أنّ العمل على الظّاهر ليس إلّا من جهة حصول الظنّ للمجتهد بسبب الأمارات والقرائن والغلبة.
فإن قلت : مرادنا من البناء على العمل بمقتضى ما رجّحناه من الأخبار العلاجيّة ، هو حصول الظنّ الاجتهادي بتقديم مقتضاه ، مثل تقديم ما وافق الكتاب على غيره من هذه الجهة ، وهذا لا ينافي عدم حصول الظنّ بما وافق مقتضاه في المسألة الفرعيّة من جهة أخرى من الظّنون الاجتهادية.
قلت : مع أنّ هذا رجوع عمّا ذكرت أوّلا ، معنى حصول الظنّ الاجتهادي بتقديم