المشهور على موافق الكتاب بسبب أنّ رواته أفقه وأعدل وأوثق ، لأنّ المراد في باب التّراجيح في الفقه والأصول لا بدّ أن يكون اختيار ما هو أقرب الى الحقّ النّفس الأمريّ ، لا ما هو أقرب بالصّدور عن المعصوم ، إذ ليس كلّ ما يصدر عن المعصوم عليهالسلام موافقا للحقّ النّفس الأمريّ ، بل ربما كان من جهة خوف وتقيّة وغير ذلك. فكيف يحصل الظنّ للمجتهد بترجيح ما دلّ على تقديم ما وافق الكتاب مطلقا ، مع أنّه يحتمل أن يكون الطّرف المخالف في المسألة الفرعيّة مظنون المطابقة لنفس الأمر من جهة القرائن والأمارات الأخر ، إذ المراد بالكتاب هو الأعمّ ممّا علم منه ضرورة من الدّين والظّواهر.
والحاصل ، أنّا نقول : كلّما حصل للمجتهد الظنّ بسبب رواية خاصّة لا معارض لها ، فلا إشكال ، وكذا لو حصل له الظنّ بحقيّة أحد المتعارضين في المسألة الفقهيّة من أيّ وجه يكون ، يجب العمل عليه لما قدّمناه من الأدلّة في وجوب العمل بالظنّ على المجتهد لئلّا يلزم ترجيح المرجوح ، ولغيره من الأدلّة سواء اقتضى بعض الأخبار الواردة في علاج التّعارض حينئذ كونه أقوى بحسب السّند والدّلالة وغيرهما من غيره خلافه أم لا. وإذا تساويا في نظره ، فالمظنون هو أحدهما ، فيتخيّر بينهما.
وإن وافق ظنّه في هذه المسألة الفرعيّة لواحد من الأخبار الواردة في العلاج ، فهو ليس من جهة العمل بذلك الخبر ، بل لأنّه مقتضى ظنّه الواجب الاتّباع وإن كان دليل حجّيتها هو ما استدلوا بها ممّا يدلّ على حجّيتها من حيث هي من الآيتين والإجماع ، فمع ما بيّنا أنّه لا يتمّ ، ومع تسليمها إنّما يدلّ على حجّيتها في الجملة.
فيه : أنّ حجّية تلك الأخبار الواردة في العلاج أيضا لا بدّ أن يكون هو بتلك الأدلّة ، ولا يخفى أنّها لا تدلّ على حجّية مطلق المتعارضات ، لاستحالة العمل بها ،