ورود الشّرع والتّكليف ، وسيّما بعد ملاحظة الأخبار الواردة في أنّه لم يبق شيء إلّا وورد فيه حكم حتّى أرش الخدش ، وأنّه مخزون عند أهله ، وخصوصا بعد ملاحظة الأخذ بالرّاجح من الأخبار المتعارضة عند إمكان التّرجيح وإمكان وجود المرجّح لما نحن فيه وقد خفي علينا ، يحصل الظنّ بأنّ حكم الله تعالى في هذه المادّة الخاصّة هو مقتضى إحدى الأمارتين لا الرّجوع الى أصل البراءة ، خصوصا بعد ملاحظة الأخبار الواردة في التّخيير ، وفي أنّ الاختلاف منّا وأنّه أبقى لنا ولكم ، فلا يجوز ترك المظنون.
نعم ، أصل البراءة يقتضي عدم التّكليف بواحد معيّن منهما ، وكيف كان فالمذهب هو التّخيير ، هذا الكلام في الأخبار.
وأمّا سائر الأدلّة ، فإن وقع بين آيتين من كتاب الله تعالى ، فإن كان بينهما عموم وخصوص ، أو إطلاق وتقييد ، فيعمل بهما بمقتضى ما مرّ ، فيقيّد ويخصّص إن أمكن ويجعل ناسخا ومنسوخا إن لم يمكن.
وإن لم يكن كذلك : فإن علم التّاريخ ولم يمكن الجمع بينهما بوجه على النّهج الذي بيّناه في معنى الجمع ، فالمتقدّم منسوخ والمتأخّر ناسخ.
وإن لم يعلم التّاريخ ولم يحصل المرجّح بوجه من جهة قوّة الدّلالة وضعفها واعتضاد أحدهما بدليل آخر ، فالمختار التّخيير.
وكذا الكلام في الكتاب والسنّة المتواترة النّبويّة.
وأمّا لو كان من الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم ، فلأجل احتمال التّقيّة يمكن تقديم الكتاب ، ومع انتفاء الاحتمال وقطعيّة المراد من السنّة وظنيّة الكتاب ، فلا ريب في تقديم السنّة ، ومع ظنيّة دلالة السنّة فهو أيضا مثل السنّة النبويّة إلّا في احتمال النّسخ.