مشايخ الطرق الصوفية يمارسون سلطات واسعة على المريدين والأتباع.
وانتشرت هذه الطرق في أول الأمر في آسيا الصغرى ، ثم انتقلت بعدها إلى معظم أقاليم الدولة ، حتى أصبحت حياة الجماهير الدينية خاضعة لتأثير مشايخ الطرق الصوفية أكثر من خضوعها لتأثير رجال الدولة الرسمية ، كما أن الدولة مدت يد العون المالي إلى بعض الطرق الصوفية وفضلتها على غيرها ، وكان من أهم هذه الطرق :
النقشبندية ، والبكتاشية ، والمولوية ، والرفاعية ، والخلوتية ، والأحمدية ، والكازرونية (١).
في هذا المناخ عاش مؤرخنا السنجاري ، فمع تمسكه بالسنة ومذهبها الحنفي ومحاربته لكثير من البدع كان لا بد أن يتأثر بالتصوف ، الذي كان من سمات عصره ، كما أن شيخه البشبيشي كان من المتصوفة ، وكذلك شيخه الشلّي الذي بذل غاية الجهد في محاولة جمع تراجم المتصوفة في القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين ضمن كتابيه "السنا الباهر" و "عقد الجواهر".
وتجلى ميل السنجاري للتصوف واضحا في حديثه عن الكرامات التي أضيفت على الأولياء في تلك العصور ، والتي كثيرا ما ترد في ثنايا كتابه ، فهو يتحدث عنها بعفوية واضحة ، ويعتبرها جزءا من الواقع الذي لا يرقى إليه أدنى شك. كما أنه اتخذ مواقف شديدة من خصوم الميتدعة من المتصوفة ، وقد انعكس ذلك في موقفه من إجراءات شيخه محمد بن
__________________
(١) انظر : الشناوي ـ عبد العزيز محمد ـ الدولة العثمانية دولة إسلامية مفترى عليها ـ مكتبة الأنجلو المصرية ـ القاهرة ١٩٨٠ م ١ / ٥٩.