فانظر لعين المواليد التي اختلفوا |
|
وأقرأ تواريخ من في الدهر قد دارا |
فحداني ما ذكرت إلى صرف آونة من الزمن النفيس لتحصيل ما لا بدّ منه في محاضرة الأنيس ، فطالعت عدة من تواريخ مكة المشرفة الموجودة بها في عصري ، مما قدرت عليه بطلابي ووفري ، وضممت إليه ما أحرزته من لطائف المتأخرين وظرائف المتأدبين ، مع مراعاة الاختصار ، ومنافاة الاقتصار ، ذاكرا كل سنة من الهجرة ، وما حدث فيها مما يتعلق بأخبار هذه البلدة ونواحيها حتى إن من ظفر بنقل لم أقف عليه ـ وكان مؤرخا ـ ضمّه إليه ، فدأبي فيه مراعاة النظير ، وديدني جمع المتفرقات في نسق ، ولا أقول أنه جمع سلامة إلا إن قوبل بالقبول والكرامة ، فلكل قائل هفوة ، ولكل جواد كبوة ، وحسن الجمع مواهب ، وللناس فيما يعشقون مذاهب. وهذا ما جمعته لنفسي».
فمن خلال تناول مؤرخنا السنجاري للأحداث التاريخية التي واكبت عصره ، يتضح لنا جليا المنهج الذي سلكه في تدوين تلك الأحداث ، حيث يستشف القارئ أنه منهج مؤرخ مسلم ... يؤمن بالقضاء والقدر وأن الأمر بيد الله من قبل ومن بعد ... وأنه بالشكر تدوم النعم ... وبالصبر يكون الفرج بعد الشدة.
ويظهر ذلك كله من خلال الأقوال التي استخدمها في التعليق على الحوادث والمواقف المختلفة ، فمثلا عند عزل شريف أو موظف أو تولية آخرين استخدم تعبير «ذلك فضل من الله يؤتيه من يشاء». كذلك عبارة «لا حول ولا قوة إلا بالله» التي نستشعر من خلالها أن هنالك ظلما أو عملا غير صالح قد وقع ، فقصده بتلك العبارة.