المشركون من أهل مكة كقوله تعالى : (بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ) [الزخرف : ٢٩] وقوله : (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) [الأنعام : ٨٩] وقد استوعب أبو البقاء الكفوي في كتاب «الكليات» في أوائل أبوابه كليات مما ورد في القرآن من معاني الكلمات ، وفي «الإتقان» للسيوطي شيء من ذلك.
وقد استقريت أنا من أساليب القرآن أنه إذا حكى المحاورات والمجاوبات حكاها بلفظ قال دون حروف عطف ، إلا إذا انتقل من محاورة إلى أخرى ، انظر قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) إلى قوله : (أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ) [البقرة : ٣٠ ـ ٣٣].
وأما الجهة الثالثة من جهات الإعجاز وهي ما أودعه من المعاني الحكمية والإشارات العلمية فاعلموا أن العرب لم يكن لهم علم سوى الشعر وما تضمنه من الأخبار. قال عمر بن الخطاب : «كان الشعر علم القوم ولم يكن لهم علم أصح منه».
إن العلم نوعان علم اصطلاحي وعلم حقيقي ، فأما الاصطلاحي فهو ما تواضع الناس في عصر من الأعصار على أن صاحبه يعد في صف العلماء ، وهذا قد يتغير بتغير العصور ويختلف باختلاف الأمم والأقطار ، وهذا النوع لا تخلو عنه أمة.
وأما العلم الحقيقي فهو معرفة ما بمعرفته كمال الإنسان ، وما به يبلغ إلى ذروة المعارف وإدراك الحقائق النافعة عاجلا وآجلا ، وكلا العلمين كمال إنساني ووسيلة لسيادة أصحابه على أهل زمانهم ، وبين العلمين عموم وخصوص من وجه. وهذه الجهة خلا عنها كلام فصحاء العرب ، لأن أغراض شعرهم كانت لا تعدو وصف المشاهدات والمتخيلات والافتراضات المختلفة ولا تحوم حول تقرير الحقائق وفضائل الأخلاق التي هي أغراض القرآن ، ولم يقل إلا صدقا كما أشار إليه فخر الدين الرازي.
وقد اشتمل القرآن على النوعين ، فأما النوع الأول فتناوله قريب لا يحتاج إلى كد فكر ولا يقتضي نظرا فإن مبلغ العلم عندهم يومئذ علوم أهل الكتاب ومعرفة الشرائع والأحكام وقصص الأنبياء والأمم وأخبار العالم ، وقد أشار إلى هذا القرآن بقوله : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) [الأنعام : ١٥٥ ـ ١٥٧] وقال : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا) [هود : ٤٩] ونحو