ولما كان القرآن مرادا منه فهم معانيه وإعجاز الجاحدين به وكان قد نزل بين أهل اللسان ، كان فهم معانيه مفروغا من حصوله عند جميعهم ، فأما التحدي بعجز بلغائهم عن معارضته فأمر يرتبط بما فيه من الخصوصيات البلاغية التي لا يستوي في القدرة عليها جميعهم بل خاصّة بلغائهم من خطباء وشعراء ، وكان من جملة طرق الإعجاز ما يرجع إلى محسّنات الكلام من فنّ البديع ، ومن ذلك فواصل الآيات التي هي شبه قوافي الشعر وأسجاع النثر ، وهي مرادة في نظم القرآن لا محالة كما قدّمناه عند الكلام على آيات القرآن فكان عدم الوقف عليها تفريطا في الغرض المقصود منها.
لم يشتدّ اعتناء السلف بتحديد أوقافه لظهور أمرها ، وما ذكر عن ابن النحاس من الاحتجاج لوجوب ضبط أوقاف القرآن بكلام لعبد الله بن عمر ليس واضحا في الغرض المحتج به فانظره في «الإتقان» للسيوطي.
فكان الاعتبار بفواصله التي هي مقاطع آياته عندهم أهمّ لأنّ عجز قادتهم وأولي البلاغة والرأي منهم تقوم به الحجة عليهم وعلى دهمائهم ، فلما كثر الداخلون في الإسلام من دهماء العرب ومن عموم بقية الأمم ، توجه اعتناء أهل القرآن إلى ضبط وقوفه تيسيرا لفهمه على قارئيه ، فظهر الاعتناء بالوقوف وروعي فيها ما يراعى في تفسير الآيات فكان ضبط الوقوف مقدمة لما يفاد من المعاني عند واضع الوقف.
وأشهر من تصدّى لضبط الوقوف أبو محمّد بن الأنباري ، وأبو جعفر بن النحاس ، وللنكزاوي أو النكزوي كتاب في «الوقف» ذكره في «الإتقان» ، واشتهر بالمغرب من المتأخرين محمّد بن أبي جمعة الهبطي المتوفى سنة ٩٣٠.
سور القرآن
السورة قطعة من القرآن معيّنة بمبدإ ونهاية لا يتغيران ، مسماة باسم مخصوص ، تشتمل على ثلاث آيات فأكثر في غرض تام ترتكز عليه معاني آيات تلك السورة ، ناشئ عن أسباب النزول ، أو عن مقتضيات ما تشتمل عليه من المعاني المتناسبة. وكونها تشتمل على ثلاث آيات مأخوذ من استقراء سور القرآن مع حديث عمر فيما رواه أبو داود عن الزبير قال : «جاء الحارث بن خزيمة (هو المسمى في بعض الروايات خزيمة وأبا خزيمة) بالآيتين من آخر سورة براءة فقال : أشهد أني سمعتهما من رسول الله ، فقال عمر وأنا أشهد لقد سمعتهما منه ، ثم قال : لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة» إلخ ،