فدل على أن عمر ما قال ذلك إلا عن علم بأن ذلك أقلّ مقدار سوره.
وتسمية القطعة المعينة من عدة آيات القرآن سورة من مصطلحات القرآن ، وشاعت تلك التسمية عند العرب حتى المشركين منهم ، فالتحدي للعرب بقوله تعالى : (فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) [هود : ١٣] وقوله : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) [البقرة : ٢٣] لا يكون إلا تحديا باسم معلوم المسمّى والمدار عندهم وقت التحدي ، فإن آيات التحدي نزلت بعد السور الأول ، وقد جاء في القرآن تسمية سورة النور باسم سورة في قوله تعالى : (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) [النور : ١] أي هذه سورة ، وقد زادته السنة بيانا. ولم تكن أجزاء التوراة والإنجيل والزبور مسماة سورا عند العرب في الجاهلية ولا في الإسلام.
ووجه تسمية الجزء المعين من القرآن سورة قيل مأخوذة من السّور بضم السين وتسكين الواو وهو الجدار المحيط بالمدينة أو بمحلة قوم ، زادوه هاء تأنيث في آخره مراعاة لمعنى القطعة من الكلام ، كما سموا الكلام الذي يقوله القائل خطبة أو رسالة أو مقامة. وقيل مأخوذة من السؤر بهمزة بعد السين وهو البقية مما يشرب الشارب بمناسبة أن السؤر جزء مما يشرب ، ثم خففوا الهمز بعد الضمة فصارت واوا ، قال ابن عطية : «وترك الهمز في سورة هو لغة قريش ومن جاورها من هذيل وكنانة وهوازن وسعد بن بكر ، وأما الهمز فهو لغة تميم ، وليست إحدى اللغتين بدالة على أن أصل الكلمة من المهموز أو المعتل ، لأن للعرب في تخفيف المهموز وهمز المخفف من حروف العلة طريقتين ، كما قالوا أجوه وإعاء وإشاح ، في وجوه ووعاء ووشاح ، وكما قالوا الذئب بالهمز والذيب بالياء. قال الفراء : ربما خرجت بهم فصاحتهم إلى أن يهمزوا ما ليس مهموزا كما قالوا «رثأت الميت ولبّأت بالحج وحلأت السويق بالهمز».
وجمع سورة سور بتحريك الواو كغرف ، ونقل في «شرح القاموس» عن الكراع (١) أنها تجمع على سور بسكون الواو.
وتسوير القرآن من السنة في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقد كان القرآن يومئذ مقسما إلى مائة وأربع عشرة سورة بأسمائها ، ولم يخالف في ذلك إلا عبد الله بن مسعود فإنه لم يثبت المعوذتين في سور القرآن ، وكان يقول : «إنما هما تعوّذ أمر الله رسوله بأن يقوله وليس هو
__________________
(١) هو علي بن حسن الهنائي ـ بضم الهاء ـ نسبة إلى هناءة ـ بوزن ثمامة ـ اسم جد قبيلة من قبائل الأزد ، والكراع بضم الكاف وتخفيف الراء لقب لعلى هذا ، كان يلقب كراع النمل.