والحدب : النشز من الأرض ، وهو ما ارتفع منها.
و (يَنْسِلُونَ) يمشون النّسلان ـ بفتحتين ـ وفعله من باب ضرب ، وأصله : مشي الذئب. والمراد : المشي السريع. وإيثار التعبير به هنا من نكت القرآن الغيبية ، لأن يأجوج وماجوج لما انتشروا في الأرض انتشروا كالذئاب جياعا مفسدين.
هذا حاصل ما تفرق من كلام المفسرين وما فرضوه من الوجوه ، وهي تدور حول محور التزام أنّ (حتى) الابتدائية تفيد أن ما بعدها غاية لما قبلها مع تقدير مفعول (فُتِحَتْ) بأنه سدّ يأجوج وماجوج. ومع حمل يأجوج وماجوج على حقيقة مدلول الاسم ، وذلك ما زج بهم في مضيق تعاصى عليهم فيه تبيين انتظام الكلام فألجئوا إلى تعيين المغيّا وإلى تعيين غاية مناسبة له ولهاته المحامل كما علمت مما سبق.
ولا أرى متابعتهم في الأمور الثلاثة.
فأما دلالة (حتى) الابتدائية على معنى الغاية ، أي كون ما بعدها غاية لمضمون ما قبلها ، فلا أراه لازما. ولأمر ما فرق العرب بين استعمالها جارّة وعاطفة وبين استعمالها ابتدائية ، أليس قد صرح النحاة بأن الابتدائية يكون الكلام بعدها جملة مستأنفة تصريحا جرى مجرى الصواب على ألسنتهم فما رعوه حق رعايته فإن معنى الغاية في (حتى) الجارّة (وهي الأصل في استعمال هذا الحرف) ظاهر لأنها بمعنى (إلى). وفي (حتّى) العاطفة لأنها تفيد التشريك في الحكم وبين أن يكون المعطوف بها نهاية للمعطوف عليه في المعنى المراد.
فأما (حتى) الابتدائية فإن وجود معنى الغاية معها في مواقعها غير منضبط ولا مطرد ، ولما كان ما بعدها كلاما مستقلا تعيّن أن يكون وجودها بين الكلامين لمجرد الربط بين الكلامين فقد نقلت من معنى تنهية مدلول ما قبلها بما بعدها إلى الدلالة على تنهية المتكلم غرض كلامه بما يورده بعد (حتى) ولا يقصد تنهية مدلول ما قبل (حتى) بما عند حصول ما بعدها (الذي هو المعنى الأصل للغاية). وانظر إلى استعمال (حتى) في مواقع من معلقة لبيد (١).
__________________
(١) بيت : حتى إذا سلخا جمادي سنة ...
وبيت : حتى إذا انحسر الظلام وأسفرت ...
ومصراع : ... حتى إذا سخنت وخف عظامها.