لاستغراق الأزمنة ، وفي هذا إيماء إلى أن في هذه المواضع فائدة دينية وهي ذكر اسم الله.
قال ابن خويزمنداد من أئمة المالكية (من أهل أواخر القرن الرابع) «تضمنت هذه الآية المنع من هدم كنائس أهل الذمة وبيعهم وبيوت نارهم» اه.
قلت : أما بيوت النار فلا تتضمن هذه الآية منع هدمها فإنها لا يذكر فيها اسم الله وإنما منع هدمها عقد الذمة الذي ينعقد بين أهلها وبين المسلمين ، وقيل الصفة راجعة إلى مساجد خاصة.
وتقديم الصوامع في الذكر على ما بعده لأنّ صوامع الرهبان كانت أكثر في بلاد العرب من غيرها ، وكانت أشهر عندهم ، لأنهم كانوا يهتدون بأضوائها في أسفارهم ويأوون إليها ، وتعقيبها بذكر البيع للمناسبة إذ هي معابد النصارى مثل الصوامع. وأما ذكر الصلوات بعدهما فلأنه قد تهيأ المقام لذكرها ، وتأخير المساجد لأنها أعم ، وشأن العموم أن يعقب به الخصوص إكمالا للفائدة.
وقوله (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) عطف على جملة ولو لا دفاع الله الناس ، أي أمر الله المسلمين بالدفاع عن دينهم. وضمن لهم النصر في ذلك الدفاع لأنهم بدفاعهم ينصرون دين الله ، فكأنهم نصروا الله ، ولذلك أكد الجملة بلام القسم ونون التوكيد. وهذه الجملة تذييل لما فيها من العموم الشامل للمسلمين الذين أخرجهم المشركون.
وجملة (إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) تعليل لجملة (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) ، أي كان نصرهم مضمونا لأنّ ناصرهم قدير على ذلك بالقوة والعزة. والقوة مستعملة في القدرة : والعزّة هنا حقيقة لأنّ العزّة هي المنعة ، أي عدم تسلّط غير صاحبها على صاحبها.
بدل من (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍ) وما بينهما اعتراض. فالمراد من (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) [الحج : ٤١] المهاجرون فهو ثناء على المهاجرين وشهادة لهم بكمال دينهم. وعن عثمان : «هذا والله ثناء قبل بلاء» ، أي قبل اختبار ، أي فهو من الإخبار بالغيب الذي علمه الله من حالهم. ومعنى (إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) [الحج : ٤١] أي بالنصر الذي وعدناهم في قوله : (إِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج: ٣٩].
(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٤١))