والجانب مترادفان ، وهو ناحية الشيء ومكانه ومنه (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) [النساء : ٣٦] أي الصاحب المجاور.
وحرف (فِي) هنا يجوز أن يكون لتعدية فعل (فَرَّطْتُ) فلا يكون للفعل مفعول ويكون المفرط فيه هو جنب الله ، أي جهته ويكون الجنب مستعارا للشأن والحقّ ، أي شأن الله وصفاته ووصاياه تشبيها لها بمكان السيد وحماه إذا أهمل حتى اعتدي عليه أو أقفر ، كما قال سابق البربري :
أما تتقين الله في جنب وامق |
|
له كبد حرّى عليك تقطّع |
أو تكون جملة (فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) تمثيلا لحال النفس التي أوقفت للحساب والعقاب بحال العبد الذي عهد إليه سيّده حراسة حماه ورعاية ماشيته فأهملها حتى رعي الحمى وهلكت المواشي وأحضر للثقاف فيقول : يا حسرتا على ما فرطت في جنب سيدي. وعلى هذا الوجه يجوز إبقاء الجنب على حقيقته لأن التمثيل يعتمد تشبيه الهيئة بالهيئة. ويجوز أن تكون (ما) موصولة وفعل (فَرَّطْتُ) متعديا بنفسه على أحد الاستعمالين ، ويكون المفعول محذوفا وهو الضمير المحذوف العائد إلى الموصول ، وحذفه في مثله كثير ، ويكون المجرور ب (فِي) حالا من ذلك الضمير ، أي كائنا ما فرطته في جانب الله.
وجملة (وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) خبر مستعمل في إنشاء الندامة على ما فاتها من قبول ما جاءها به الرسول من الهدى فكانت تسخر منه ، والجملة حال من فاعل فرطت ، أي فرطت في جنب الله تفريط الساخر لا تفريط الغافل ، وهذا إقرار بصورة التفريط. و (أَنْ) مخففة من (أَنْ) المشددة ، واللام في (لَمِنَ السَّاخِرِينَ) فارقة بين (أَنْ) المخففة و (إن) النافية.
و (لَمِنَ السَّاخِرِينَ) أشد مبالغة في الدلالة على اتصافهم بالسخرية من أن يقال : وإن كنت لساخرة ، كما تقدم غير مرة منها عند قوله تعالى : (قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) في سورة البقرة [٦٧].
ومعنى (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) إنهم يقولونه لقصد الاعتذار والتنصل ، تعيد أذهانهم ما اعتادوا الاعتذار به للنبي صلىاللهعليهوسلم كما حكى الله عنهم : (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) [الزخرف : ٢٠] وهم كانوا يقولونه لقصد إفحام النبي حين يدعوهم فبقي ذلك التفكير عالقا بعقولهم حين يحضرون للحساب. والكلام في (مِنَ