ويجوز أن تكون معطوفة على جملة (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الزمر : ٦٢] فتكون جملة (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) وجملة (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ) كلتاهما معطوفتين على جملة (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الزمر : ٦٢]. والمعنى : هو هو ، إلا أن الحال أوضح إفصاحا عنه.
ويجوز أن تكون جملة (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ) عطف غرض على غرض انتقل به إلى وصف يوم القيامة وأحوال الفريقين فيه ، وجملة (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) اعتراضا ، وهو تمثيل لحال الجاهل بعظمة شيء بحال من لم يحقق مقدار صبرة فنقصها عن مقدارها ، فصار معنى (ما قَدَرُوا اللهَ) : ما عرفوا عظمته حيث لم ينزهوه عما لا يليق بجلاله من الشريك في إلهيته.
و (حَقَّ قَدْرِهِ) من إضافة الصفة إلى الموصوف ، أي ما قدروا الله قدره الحقّ ، فانتصب (حَقَ) على النيابة عن المفعول المطلق المبيّن للنوع ، وتقدم نظير هذا في سورة الأنعام.
وجميع : أصله اسم مفعول مثل قتيل ، قال لبيد :
عريت وكان بها الجميع فأبكروا |
|
منها وغودر نؤيها وثمامها |
وبذلك استعمل توكيدا مثل (كلّ) و (أجمع) قال تعالى : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً) في سورة المجادلة [٦]. وقد وقع (جَمِيعاً) هنا حالا من (الْأَرْضُ) واسم (الْأَرْضُ) مؤنث فكان تجريد (جميع) من علامة التأنيث جريا على الوجه الغالب في جريان فعيل بمعنى مفعول على موصوفه ، وقد تلحقه علامة التأنيث كقول امرئ القيس :
فلو أنها نفس تموت جميعة |
|
ولكنها نفس تساقط أنفسا |
وانتصب (جَمِيعاً) هنا على الحال من (الْأَرْضُ) وتقدم نظيره آنفا في قوله : (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً) [الزمر : ٤٤].
والقبضة بفتح القاف المرّة من القبض ، وتقدم في قوله : (فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ) في سورة طه [٩٦].
والإخبار عن الأرض بهذا المصدر الذي هو بمعنى المفعول كالخلق بمعنى المخلوق للمبالغة في الاتصاف بالمعنى المصدري وإنما صيغ لها وزن المرة تحقيرا لها في جانب عظمة ملك الله تعالى ، وإنما لم يجأ بها مضمومة القاف بمعنى الشيء المقبوض لئلا تفوت المبالغة في الاتصاف ولا الدلالة على التحقير فالقبضة مستعارة للتناول استعارة تصريحية ، والقبضة تدل على تمام التمكن من المقبوض وأن المقبوض لا تصرّف له ولا تحرّك.