(رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) خبر عن مبتدأ محذوف هو ضمير اسم الجلالة في قوله : (فَادْعُوا اللهَ) [غافر : ١٤] وليس خبرا ثانيا بعد قوله : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ) [غافر : ١٣] لأن الكلام هنا في غرض مستجدّ ، وحذف المسند إليه في مثله حذف اتّباع للاستعمال في حذف مثله ، كذا سماه السكاكي بعد أن يجري من قبل الجملة حديث عن المحذوف كقول عبد الله بن الزّبير أو إبراهيم بن العباس الصولي أو محمد بن سعيد الكاتب :
سأشكر عمرا إن تراخت منيتي |
|
أيادي لم تمنن وإن هي جلّت |
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه |
|
ولا مظهرا للشكوى إذا النعل زلّت |
و (رَفِيعُ) يجوز أن يكون صفة مشبهة. والتعريف في (الدَّرَجاتِ) عوض عن المضاف إليه. والتقدير : رفيعة درجاته ، فلما حول وصف ما هو من شئونه إلى أن يكون وصفا لذاته سلك طريق الإضافة وجعلت الصفة المشبهة خبرا عن ضمير الجلالة وجعل فاعل الصفة مضافا إليه ، وذلك من حالات الصفة المشبهة يقال : فلان حسن فعله ، ويقال : فلان حسن الفعل ، فيؤول قوله : (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) إلى صفة ذاته.
و (الدَّرَجاتِ) مستعارة للمجد والعظمة ، وجمعها إيذان بكثرة العظمات باعتبار صفات مجد الله التي لا تحصر ، والمعنى : أنه حقيق بإخلاص الدعاء إليه. ويجوز أن يكون (رَفِيعُ) من أمثلة المبالغة ، أي كثير رفع الدرجات لمن يشاء وهو معنى قوله تعالى : (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) [يوسف : ٧٦]. وإضافته إلى (الدَّرَجاتِ) من الإضافة إلى المفعول فيكون راجعا إلى صفات أفعال الله تعالى.
والمقصود : تثبيتهم على عبادة الله مخلصين له الدين بالترغيب بالتعرض إلى رفع الله درجاتهم كقوله : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) في سورة المجادلة [١١].
و (ذُو الْعَرْشِ) خبر ثان وفيه إشارة إلى أن رفع الدرجات منه متفاوت.
كما أن مخلوقاته العليا متفاوتة في العظم والشرف إلى أن تنتهي إلى العرش وهو أعلى المخلوقات كأنه قيل : إن الذي رفع السماوات ورفع العرش ما ذا تقدّرون رفعه درجات عابديه على مراتب عبادتهم وإخلاصهم.
وجملة (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ) خبر ثالث ، أو بدل بعض من جملة (رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) فإن من رفع الدرجات أن يرفع بعض عباده إلى درجة النبوءة وذلك أعظم رفع الدرجات بالنسبة إلى عباده ، فبدل البعض هو هنا أهم أفراد المبدل منه.