والأظهر أن (جَرَمَ) اسم لا فعل لأنه لو كان فعلا لكان ماضيا بحسب صيغته فيكون دخول (لا) عليه من خصائص استعمال الفعل في الدعاء.
والأكثر أن يقع بعدها (أنّ) المفتوحة المشددة فيقدر معها حرف (في) ملتزما حذفه غالبا. والتقدير : لا شك في أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة. وتقدم بيان معنى (لا جَرَمَ) وأن جرم فعل أو اسم عند قوله تعالى : (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) في سورة هود [٢٢].
وما صدق ما الأصنام ، وأعيد الضمير عليها مفردا في قوله : (لَيْسَ لَهُ) مراعاة لإفراد لفظ (ما).
وقوله : (لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) إلى قوله : (أَصْحابُ النَّارِ) واقع موقع التعليل لجملتي (ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) لأنه إذا تحقق أن لا دعوة للأصنام في الدنيا بدليل المشاهدة ، ولا في الآخرة بدلالة الفحوى ، فقد تحقق أنها لا تنجي أتباعها في الدنيا ولا يفيدهم دعاؤها ولا نداؤها. وتحقق إذن أن المرجو للإنعام في الدنيا والآخرة هو الربّ الذي يدعوهم هو إليه. وهذا دليل إقناعي غير قاطع للمنازع في إلهية رب هذا المؤمن ولكنه أراد إقناعهم واستحفظهم دليله لأنهم سيظهر لهم قريبا أن رب موسى له دعوة في الدنيا ثقة منه بأنهم سيرون انتصار موسى على فرعون ويرون صرف فرعون عن قتل موسى بعد عزمه عليه فيعلمون أن الذي دعا إليه موسى هو المتصرف في الدنيا فيعلمون أنه المتصرف في الآخرة.
ومعنى (لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ) انتفاء أن يكون الدعاء إليه بالعبادة أو الالتجاء نافعا لا نفي وقوع الدعوة لأن وقوعها مشاهد. فهذا من باب «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وقولهم : ليس ذلك بشيء ، أي بشيء نافع ، وبهذا تعلم أن (دَعْوَةٌ) مصدر متحمل معنى ضمير فاعل ، أي ليست دعوة داع ، وأنّ ضمير (لَهُ) عائد إلى (ما) الموصولة ، أي لا يملك دعوة الداعين ، أي لا يملك إجابتهم.
وعطفت على هذه الجملة جملة (وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ) عطف اللازم على ملزومه لأنه إذا تبين أن رب موسى المسمى (الله) هو الذي له الدعوة ، تبين أن المرد أي المصير إلى الله في الدنيا بالالتجاء والاستنصار وفي الآخرة بالحكم والجزاء. ولو عطف مضمون هذه الجملة بالفاء المفيدة للتفريع لكانت حقيقة بها ، ولكن عدل عن ذلك إلى عطفها بالواو اهتماما بشأنها لتكون مستقلة الدلالة بنفسها غير باحث سامعها على ما ترتبط به ، لأن