نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً) [غافر : ٧٣ ، ٧٤] ، فجعل (لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا) نقيض ما قيل لهم (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ) ، وتشمل المجادلة في وقوع البعث كما دل عليه قوله بعد هذه (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ) إلى قوله : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ) [غافر : ٦٩ ـ ٧١] الآية ، أعقب ذكر المجادلة أولا بقوله : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر : ٥٧] وذلك استدلال على إمكان البعث ، ثم عطف عليه قوله : (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) الآية تحذيرا من الإشراك به ، وأيضا لما ذكر أمر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم بدعاء الله وحده أمرا مفرّعا على توبيخ المشركين بقوله : (ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ) [غافر : ١٢] وعلى قوله عقب ذلك : (وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) [غافر : ١٣] وانتقل الكلام أثر ذلك إلى الأهمّ وهو الأمر بإنذار المشركين بقوله : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) [غافر : ١٨] إلخ ، وتتابعت الأغراض حتى استوفت مقتضاها ، عاد الكلام الآن إلى ما يشمل عبادة المؤمنين الخالصة لله تعالى وهو أيضا متصل بقوله : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) [غافر : ٥٠]. فلما تقدم ذكر الدعاء بمعنييه : معنى العبادة ، ومعنى سؤال المطلوب ، أردف بهذا الأمر الجامع لكلا المعنيين.
والقول المخبر عنه بفعل : (قالَ رَبُّكُمُ) يجوز أن يراد به كلام الله النفسي ، أي ما تعلقت إرادة الله تعلقا صلاحيا ، بأن يقوله عند إرادة تكوينه ، ويجوز أن يراد القول اللفظي ويكون التعبير ب (قال) الماضي إخبارا عن أقوال مضت في آيات قبل نزول هذه الآية مثل قوله : (فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [غافر : ١٤] بخلاف قوله : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) [البقرة : ١٨٦] فإنه نزل بعد هذه الآية ، ويجوز أن يكون الماضي مستعملا في الحال مجازا ، أي يقول ربكم : ادعوني.
والدعاء يطلق بمعنى النداء المستلزم للاعتراف بالمنادى ، ويطلق على الطلب وقد جاء من كلام النبي صلىاللهعليهوسلم ما فيه صلاحية معنى الدعاء الذي في هذه الآية لما يلائم المعنيين في حديث النعمان بن بشير قال : سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «الدعاء هو العبادة» ثم قرأ (وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) رواه الترمذي. وقال : هذا حديث حسن صحيح ، فإن قوله : «الدعاء هو العبادة» يقتضي اتحاد الحقيقتين فإذا كان الدعاء هو العبادة كانت العبادة هي الدعاء لا محالة. فالدعاء يطلق على سؤال العبد من الله حاجته وهو ظاهر معناه في اللغة ، ويطلق على عبادة الله على طريق الكناية لأن العبادة لا تخلو من دعاء المعبود بنداء تعظيمه والتضرع إليه ،