الآية ، ثم بقوله : (إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِ) [الزمر : ٤١] ثم بقوله : (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) [الزمر : ٥٥].
وافتتاح الجملة باسم الجلالة يؤذن بتفخيم أحسن الحديث المنزل بأن منزّله هو أعظم عظيم ، ثم الإخبار عن اسم الجلالة بالخبر الفعلي يدل على تقوية الحكم وتحقيقه على نحو قولهم : هو يعطي الجزيل ، ويفيد مع التقوية دلالة على الاختصاص ، أي اختصاص تنزيل الكتاب بالله تعالى ، والمعنى : الله نزّل الكتاب لا غيره وضعه ، ففيه إثبات أنه منزّل من عالم القدس ، وذلك أيضا كناية عن كونه وحيا من عند الله لا من وضع البشر. فدلت الجملة على تقوّ واختصاص بالصراحة ، وعلى اختصاص بالكناية ، وإذ أخذ مفهوم القصر ومفهوم الكناية وهو المغاير لمنطوقهما كذلك يؤخذ مغاير التنزيل فعلا يليق بوضع البشر ، فالتقدير : لا غير الله وضعه ، ردّا لقول المشركين : هو أساطير الأولين.
والتحقيق الذي درج عليه صاحب «الكشاف» في قوله تعالى : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) [البقرة : ١٥] هو أن التقوى والاختصاص يجتمعان في إسناد الخبر الفعلي إلى المسند إليه ، ووافقه على ذلك شرّاح «الكشاف».
ومفاد هذا التقديم على الخبر الفعلي فيه تحقيق لما تضمنته الإضافة من التعظيم لشأن المضاف في قوله تعالى : (مِنْ ذِكْرِ اللهِ) [الزمر : ٢٢] كما علمته آنفا ، فالمراد ب ـ (أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) عين المراد ب ـ (ذِكْرِ اللهِ) وهو القرآن ، عدل عن ذكر ضميره لقصد إجراء الأوصاف الثلاثة عليه. وهي قوله : (كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) إلخ ، فانتصب (كِتاباً) على الحال من (أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) أو على البدلية من (أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) ، وانتصب (مُتَشابِهاً) على أنه نعت (كِتاباً).
الوصف الأول : أنه أحسن الحديث. أي أحسن الخبر ، والتعريف للجنس ، والحديث : الخبر ، سمي حديثا لأن شأن الإخبار أن يكون عن أمر حدث وجدّ. سمي القرآن حديثا باسم بعض ما اشتمل عليه من أخبار الأمم والوعد والوعيد. وأما ما فيه من الإنشاء من أمر ونهي ونحوهما فإنه لما كان النبي صلىاللهعليهوسلم مبلغه للناس آل إلى أنه إخبار عن أمر الله ونهيه.
وقد سمي القرآن حديثا في مواضع كثيرة كقوله تعالى : (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) في سورة [الأعراف : ١٨٥] ، وقوله : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) في سورة [الكهف : ٦].