عند قوله : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً) في سورة [النحل : ١١٢].
وقد يقال فيه وفي نظائره : إن العدول عن أن يصاغ بصيغة الطلب كما في قوله : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) [يس : ١٣] ، (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ) [الكهف : ٣٢] (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا) [الكهف : ٤٥] إلى أن صيغ بصيغة الخبر هو التوسل إلى إسناده إلى الله تنويها بشأن المثل كما أشرنا إليه في سورة النحل.
وإسناد ضرب المثل إلى الله لأنه كوّن نظمه بدون واسطة ثم أوحى به إلى رسولهصلىاللهعليهوسلم ، فالقرآن كلّه من جعل الله سواء في ذلك أمثاله وغيرها ، وهو كله مأمور رسولهصلىاللهعليهوسلم بتبليغه ، فكأنه قال له : ضرب الله مثلا فاضربه للناس وبيّنه لهم ، إذ المقصود من ضرب هذا المثل محاجّة المشركين وتبكيتهم به في كشف سوء حالتهم في الإشراك ، إذ مقتضى الظاهر أن يجري الكلام على طريقة نظائره كقوله : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) [يس : ١٣] ، وكذلك ما تقدم من الأمر في نحو قوله : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر : ٩] ، (قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ) [الزمر : ١٠] ، (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ) [الزمر : ١١] ، (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ) [الزمر : ١٤] ، (قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ) [الزمر : ١٥] ، (فَبَشِّرْ عِبادِ) [الزمر : ١٧].
وقد يتطلب وجهه التفرقة بين ما صيغ بصيغة الخبر وما صيغ بصيغة الطلب فنفرق بين الصنفين بأن ما صيغ بصيغة الخبر كان في مقام أهمّ لأنه إمّا تمثيل لإبطال الإشراك ، وإمّا لوعيد المشركين ، وإمّا لنحو ذلك ، خلافا لما صيغ بصيغة الخبر فإنه كائن في مقام العبرة والموعظة للمسلمين أو أهل الكتاب ، وهذا ما أشرنا إليه إجمالا في سورة النحل. وقوله : (رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ) وما بعده في موضع البيان ل ـ (مَثَلاً).
وجعل الممثّل به حالة رجل ليس للاحتراز عن امرأة أو طفل ولكن لأن الرجل هو الذي يسبق إلى أذهان الناس في المخاطبات والحكايات ، ولأن ما يراد من الرجل من الأعمال أكثر مما يراد من المرأة والصبيّ ، ولأن الرجل أشدّ شعورا بما هو فيه من الدعة أو الكدّ ، وأما المرأة والصبي فقد يغفلان ويلهيان.
وجملة (فِيهِ شُرَكاءُ) نعت ل ـ (رَجُلاً) ، وتقديم المجرور على (شُرَكاءُ) لأن خبر النكرة يحسن تقديمه عليها إذا وصفت ، فإذا لم توصف وجب تقديم الخبر لكراهة الابتداء بالنكرة. ومعنى (فِيهِ شُرَكاءُ) : في ملكه شركاء.