والتشاكس : شدة الاختلاف ، وشدّة الاختلاف في الرجل الاختلاف في استخدامه وتوجيهه.
وقرأ الجمهور (سَلَماً) بفتح السين وفتح اللام بعدها ميم وهو اسم مصدر : سلم له ، إذا خلص. وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب سالما بصيغة اسم الفاعل وهو من : سلم ، إذا خلص ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ولا وجه له ، والحق أنهما سواء كما أيده النحّاس وأبو حاتم ، والمعنى : أنه لا شركة فيه للرجل. وهذا تمثيل لحال المشرك في تقسّم عقله بين آلهة كثيرين فهو في حيرة وشك من رضى بعضهم عنه وغضب بعض ، وفي تردد عبادته إن أرضى بها أحد آلهته ، لعله يغضب بها ضده ، فرغباتهم مختلفة وبعض القبائل أولى ببعض الأصنام من بعض ، قال تعالى : (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) [المؤمنون : ٩١] ، ويبقى هو ضائعا لا يدري على أيهم يعتمد ، فوهمه شعاع ، وقلبه أوزاع ، بحال مملوك اشترك فيه مالكون لا يخلون من أن يكون بينهم اختلاف وتنازع ، فهم يتعاورونه في مهن شتّى ويتدافعونه في حوائجهم ، فهو حيران في إرضائهم تعبان في أداء حقوقهم لا يستقل لحظة ولا يتمكن من استراحة.
ويقابله تمثيل حال المسلم الموحّد يقوم بما كلّفه ربه عارفا بمرضاته مؤملا رضاه وجزاءه ، مستقرّ البال ، بحال العبد المملوك الخالص لمالك واحد قد عرف مراد مولاه وعلم ما أوجبه عليه ففهمه واحد وقلبه مجتمع.
وكذلك الحال في كل متّبع حق ومتبع باطل فإن الحق هو الموافق لما في الوجود والواقع ، والباطل مخالف لما في الواقع ، فمتبع الحق لا يعترضه ما يشوش عليه باله ولا ما يثقل عليه أعماله ، ومتبع الباطل يتعثر به في مزالق الخطى ويتخبط في أعماله بين تناقض وخطأ.
ثم قال : (هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً) ، أي هل يكون هذان الرجلان المشبهان مستويين حالا بعد ما علمتم من اختلاف حالي المشبهين بهما. والاستفهام في قوله : (هَلْ يَسْتَوِيانِ) يجوز أن يكون تقريريا ، ويجوز أن يكون إنكاريا ، وجيء فيه ب ـ (هَلْ) لتحقيق التقرير أو الإنكار. وانتصب (مَثَلاً) على التمييز لنسبة (يَسْتَوِيانِ).
والمثل : الحال. والتقدير : هل يستوي حالاهما ، والاستواء يقتضي شيئين فأكثر ، وإنما أفرد التمييز المراد به الجنس ، وقد عرف التعدد من فاعل (يَسْتَوِيانِ) ولو أسند الفعل إلى ما وقع به التمييز لقيل : هل يستوي مثلاهما.