يعطيهم عطاء الربوبية والإيثار بالخير.
ثم نوه بهذا الوعد بقوله : (ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) والمشار إليه هو ما يشاءون لما تضمنه من أنه جزاء لهم على التصديق. وأشير إليه باسم الإشارة لتضمنه تعظيما لشأن المشار إليه. والمراد بالمحسنين أولئك الموصوفون بأنهم المتقون ، وكان مقتضى الظاهر أن يؤتى بضميرهم فيقال : ذلك جزاؤهم ، فوقع الإظهار في مقام الإضمار لإفادة الثناء عليهم بأنهم محسنون.
والإحسان : هو كمال التقوى لأنه فسره النبي صلىاللهعليهوسلم بأنه : «أن تعبد الله كأنك تراه» وأيّ إحسان وأيّ تقوى أعظم من نبذهم ما نشئوا عليه من عبادة الأصنام ، ومن تحملهم مخالفة أهليهم وذويهم وعداوتهم وأذاهم ، ومن صبرهم على مصادرة أموالهم ومفارقة نسائهم تصديقا للذي جاء بالصدق وإيثارا لرضى الله على شهوة النفس ورضى العشيرة.
وقوله : (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) اللام للتعليل وهي تتعلق بفعل محذوف دل عليه قوله : (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، والتقدير : وعدهم الله بذلك والتزم لهم ذلك ليكفر عنهم أسوأ الذي عملوا. والمعنى : أن الله وعدهم وعدا مطلقا ليكفر عنهم أسوأ ما عملوه ، أي ما وعدهم بذلك الجزاء إلا لأنه أراد أن يكفر عنهم سيئات ما عملوا.
والمقصود من هذا الخبر إعلامهم به ليطمئنوا من عدم مؤاخذتهم على ما فرط منهم من الشرك وأحواله.
و (أَسْوَأَ) يجوز أن يكون باقيا على ظاهر اسم التفضيل من اقتضاء مفضل عليه ، فالمراد بأسوإ عملهم هو أعظمه سوءا وهو الشرك ، سئل النبي صلىاللهعليهوسلم : أيّ الذنب أعظم؟ فقال : «أن تدعو لله ندّا وهو خلقك». وإضافته إلى (الَّذِي عَمِلُوا) إضافة حقيقية ، ومعنى كون الشرك مما عملوا باعتبار أن الشرك عمل قلبي أو باعتبار ما يستتبعه من السجود للصنم ، وإذا كفّر عنهم أسوأ الذي عملوا كفّر عنهم ما دونه من سيّئ أعمالهم بدلالة الفحوى ، فأفاد أنه يكفر عنهم جميع ما عملوا من سيئات ، فإن أريد بذلك ما سبق قبل الإسلام فالآية تعم كل من صدّق بالرسول صلىاللهعليهوسلم والقرآن بعد أن كان كافرا فإن الإسلام يجبّ ما قبله ، وإن أريد بذلك ما عسى أن يعمله أحد منهم من الكبائر في الإسلام كان هذا التكفير خصوصية لأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فإن فضل الصحبة عظيم. روي عن رسول الله أنه قال : «لا تسبّوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيفه».