ويجوز أن يكون (أَسْوَأَ) مسلوب المفاضلة وإنما هو مجاز في السوء العظيم على نحو قوله تعالى : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) [يوسف : ٣٣] أي العمل الشديد السوء ، وهو الكبائر ، وتكون إضافته بيانية. وفي هذه الآية دلالة على أن رتبة صحبة النبي صلىاللهعليهوسلم عظيمة.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه». وقد أوصى أئمة سلفنا الصالح أن لا يذكر أحد من أصحاب الرسول صلىاللهعليهوسلم إلّا بأحسن ذكر ، وبالإمساك عما شجر بينهم ، وأنهم أحق الناس بأن يلتمس لهم أحسن المخارج فيما جرى بين بعضهم ، ويظنّ بهم أحسن المذاهب ، ولذلك اتفق السلف على تفسيق ابن الأشتر النخعي ومن لف لفه من الثوّار الذين جاءوا من مصر إلى المدينة لخلع عثمان بن عفان ، واتفقوا على أن أصحاب الجمل وأصحاب صفّين كانوا متنازعين عن اجتهاد وما دفعهم عليه إلا السعي لصلاح الإسلام والذبّ عن جامعته من أن تتسرب إليها الفرقة والاختلال ، فإنهم جميعا قدوتنا وواسطة تبليغ الشريعة إلينا ، والطعن في بعضهم يفضي إلى مخاوف في الدين ، ولذلك أثبت علماؤنا عدالة جميع أصحاب النبيصلىاللهعليهوسلم.
وإظهار اسم الجلالة في موضع الإضمار بضمير (رَبِّهِمْ) في قوله : (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ) لزيادة تمكن الإخبار بتكفير سيئاتهم تمكينا لاطمئنان نفوسهم بوعد ربهم.
وعطف على الفعل المجعول علة أولى فعل هو علة ثانية وهو : (وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ). وهو المقصود من التعليل للوعد الذي تضمنه قوله : (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ).
والبناء في قوله : (بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) للسببية وهي ظرف مستقرّ صفة ل (أَجْرَهُمْ) وليست متعلقة بفعل (يَجْزِيَهُمْ) ، أي يجزيهم أجرا على أحسن أعمالهم. وإذا كان الجزاء على العمل الأحسن بها الوعد وهو (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، فدل على أنهم يجازون على ما هو دون الأحسن من محاسن أعمالهم ، بدلالة إيذان وصف «الأحسن» بأن علة الجزاء هي الأحسنية وهي تتضمن أنّ لمعنى الحسن تأثيرا في الجزاء فإذا كان جزاء أحسن أعمالهم أنّ لهم ما يشاءون عند ربهم كان جزاء ما هو دون الأحسن من أعمالهم جزاء دون ذلك بأن يجازوا بزيادة وتنفيل على ما استحقوه على أحسن أعمالهم بزيادة تنعم أو كرامة أو نحو ذلك.